هولندا

لهذا السبب يجب تعليم الأطفال في المهجر لغتهم الأم

هناك بعض المهاجرين واللاجئين الذين كبروا في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية دون أن يتعلموا لغتهم الأم. فما تأثير ذلك عليهم، وما هي ضرورة أن يتعلم أطفال المهاجرين لغتهم الأم؟ خبراء يقدمون نصائح في هذا المجال.

بعد مضي أكثر من خمسة عشر عاماً على وصوله إلى ألمانيا قادماً من سوريا، يحاول خليل مراد أن يعلّم ابنه البكر لغته الأم للحفاظ على هويته كما يقول.

ورغم أن مراد الذي ينحدر من مدينة عفرين السورية يبدي ندمه على عدم تعليم ابنه البكر لغته الأم (الكردية) منذ الصغر، إلا أنه استفاد من تلك التجربة مع ابنه الصغير آريان الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات ويتحدث الكردية، رغم رغبة الصغير بالحديث مع والده بالألمانية.

يقول مراد، الذي يعمل صيدلانياً، لمهاجر نيوز: “آريان يعرف أنه عندما يتحدّث إليّ فإنني لن أجيب عليه سوى بالكردية، رغم إتقاني الألمانية، ولذلك فهو يتعلم الكردية، رغم محاولاته في البداية بأن نتحدث بالألمانية”.

وقد أوصى مراد أحد رفاقه بتأمين قصص كردية ليقرأها لابنه الصغير قبل النوم، كما أنه يبحث له عن معلم يستطيع تعليمه مهارات الكتابة.

ويسعى الوالد إلى تعليم ابنه البكر (14 عاماً) أيضاً اللغة الكردية، ويقول: “إنني نادم لأنني لم أقم بذلك منذ صغره، كما أنه يلومني دائماً أنه لا يتحدث لغتي مثلما يفعل أخوه الصغير”.

قوانين تنظم تدريس الأطفال لغاتهم الأصلية

والابن البكر لمراد ليس سوى واحد من العديد من أبناء المهاجرين الذين يعيشون في ألمانيا منذ سنوات دون أن يتعلم أطفالهم لغاتهم الأم، بالرغم من وجود قوانين في ألمانيا تنظم تعليم الأطفال من أصول مهاجرة لغاتهم الأصلية.

ففي ولاية شمال الراين-ويستفاليا مثلاً، عند وجود 15 تلميذ على الأقل يرغبون بتعلم لغة معينة في مدرسة ما، يحق لآبائهم التقديم بطلب لإدارة المدرسة من أجل تعليم أطفالهم لغتهم الأصلية.

وفي حال توفر المدرسين، تخصص المدرسة ثلاث ساعات أسبوعياً للغة الأصلية للأطفال. وفي نهاية الصف التاسع أو العاشر يخضع الطلاب لامتحان في لغتهم الأصلية، وعند حصولهم على علامات جيدة، يمكن أن يحسّن ذلك من درجات اللغة الأجنبية التي يتعلمها الطلاب (الإنجليزية أو الفرنسية أو اللاتينية).

ويؤكد الخبير الاجتماعي في شؤون التربية محمد عسيلة على ضرورة تعليم الأطفال المهاجرين والألمان من أصول مهاجرة لغاتهم الأم، ويضيف لمهاجر نيوز: “عدم تحدث الأطفال بلغاتهم الأم له تأثير سلبي على هوياتهم، حيث أن اللغة هي لبنة هامة من الفسيفساء التي تتشكل منها الهوية”.

ويعتب عسيلة، المستشار في شؤون الاندماج في ولاية شمال الراين- فيستفاليا على العوائل التي لا تعلم أطفالها لغاتهم الأصلية، ويتابع: “هذا ضعف في بعد النظر، لأنه يقومون بذلك بتقليص هوية الطفل في دوائر ضيقة، فالطفل الذي لا يتحدث لغته الأصلية قد يشعر بنوع من الإقصاء عن مجتمعه الأصلي”، مشيراً إلى أن تعليم الأطفال لغاتهم الأصلية مهم كي يتمكن أولئك الأطفال من التفاعل في مجتمعاتهم.

بناء أسس متينة للتعلم
ولا تقتصر أهمية تعلم اللغة الأصلية على المحافظة على الهوية فحسب بل إنها تساهم في تعلم اللغات الأخرى أيضاً، بحسب منظمات ومؤسسات دولية.

وقد تم التشديد على أهمية التعليم باستخدام اللغة الأم في السنوات الأولى من التعليم المدرسي في عدد من الدراسات والبحوث والتقارير منها التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع الذي تصدره اليونسكو كل سنة.

وتقول اليونسكو إنها تشجع التعليم الثنائي اللغة أو المتعدد اللغات القائم على اللغة الأم في سنوات التعليم الأولى نظراً إلى أهمية هذا الأمر في بناء أسس متينة للتعلّم، على حد تعبيرها.

وتؤكّد المنظمة أن استخدام اللغة الأم مع صغار الأطفال في المنزل أو في التعليم ما قبل المدرسي يساعدهم على اكتساب مهارات القراءة والكتابة بلغتهم الأم على نحو سهل، وقد يساعدهم أيضاً على اكتساب لغة ثانية (قد تكون لغة وطنية) في مرحلة لاحقة من تعليمهم المدرسي.

وقد أعلنت اليونسكو يوم الحادي والعشرين من شباط/ فبراير يوماً عالمياً للغة الأم، والذي يتم الاحتفال به في شتى أنحاء العالم

أهمية “لغة الأسرة”
كما يؤكّد معهد غوته الألماني على ضرورة أن يتحدث الأب والأم بلغة الوطن المنشأ في المنزل مع أطفالهم لأن ذلك “يمكّن الطفل من تكوين علاقة عاطفية وثيقة بلغة وثقافة موطنه الأصلي

ويشير المعهد أن لغة الموطن الأصلي (اللغة الأولى أو لغة الأسرة) تمد الأطفال دائمًا بمعلومات ثقافية وتقاليد وقيم، ويضيف أنه “ينبغي على الأسر عدم الكف عن التحدث بلغة موطنهم الأصلي، بل يتعين عليهم استخدامها في المنزل مع الأطفال وداخل الأسرة”.

ويشدد معهد غوته على أنه “من المهم جدًا بالنسبة للأطفال أن يتحدثوا لغتهم الأولى بصورة جيدة”، مضيفاً أن “الأساس اللغوي الجيد في اللغة الأولى هو أفضل طريقة للوصول إلى مستوى لغوي جيد في اللغات الأخرى”.

لا إكراه في اللغة!
لكن في حال عدم رغبة الطفل في التحدث بلغته الأم، فيجب عدم إجباره على ذلك، لأن هذه حالة مؤقتة سوف تختفي مرة أخرى، بحسب معهد غوته.

وهذا ما قام به خليل مراد، حيث أنه لم يجبر ابنه الصغير آريان على التحدث باللغة الكردية، إلا أنه استطاع وبأسلوب ليّن أن يجعل الطفل الصغير يتحدث لغته الأم، كما يقول.

ويشير معهد غوته إلى ضرورة أن يراعي الوالدان عدم خلط اللغات في كلماتهم بصورة زائدة عن الحد. فالوالدان اللذان لديهما موقف إيجابي تجاه لغتهم الخاصة بحسب معهد غوته- مثلان دائمًا عامل تحفيز جيد جدًا لأطفالهم لتعلم لغة (لغات) الوالدين.

وبسبب تحفيز خليل مراد لابنه الصغير بتعلم لغته الكردية، فها هو الولد الصغير يتحدث الكردية إلى جانب كل من الألمانية واللاتفية والروسية، إذ أن والدته من لاتفيا. وقد يكون بذلك مثالاً ناجحاً لأطفال المهاجرين الذين يتحدثون بلغاتهم الأم إلى جانب لغة الدولة التي يعيشون فيها، بل والمزيد من اللغات الأخرى.

محي الدين حسين لموقع مهاجر نيوز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى