يساعد مخبز في شرق ألمانيا على دمج لاجئ سوري في المجتمع. فمن خلال برنامج للتدريب والتأهيل المهني، يبدأ محمد حمزة حياة جديدة في ألمانيا وبناء مستقبله كخباز.
من السهل أن تتحرك دون أن يلاحظك أحد في برلين، أكبر مدن ألمانيا والتي تقدم للمقيمين فيها إمكانية إخفاء هويتهم، الذي يعد أمرا سهلا في المدن الضخمة مثل العاصمة الألمانية. لكن على بعد 50 كيلومترا خارج المدينة، الأمر مختلف تماما. تقع بلدة إيبرسفالده الصغيرة في الركن الشمالي الشرقي من ولاية براندنبورغ على بعد مسافة قصيرة بالقطار من العاصمة الألمانية. ومع ذلك، فإن الحياة هناك تختلف عن برلين في نواحٍ كثيرة.
لا تختلف اللهجة المحلية كثيراً عن تلك السائدة في برلين، لكن أولئك الذين لا يتقنون هذه اللهجة يبدون كالغرباء في المجتمع. ينطبق هذا الأمر على اللاجئ السوري محمد حمزة الإمام (23 عاما) الذي يعمل حاليا كمتدرب في مخبز محلي.
محتوى المقال
آفاق المستقبل
يُعد مخبز “Privatbنckerei Wiese” مكانا شهيرا في البلدة، حيث تصطف اللافتات على طول الطريق وصولاً إلى باب المخبز، حيث الخبز المخمر اللذيذ والمميز الذي يشتهر به المحل بخلاف المخبوزات الأخرى. ويسود المكان جو مبهج خصوصاً بين العاملين. محمد اللاجئ السوري هو في الواقع واحد من عدة لاجئين تم منحهم فرصة عمل في المخبز، الذي يأمل مالكه بيورن فايزه، في أن يساهم بشئ في بناء مستقبل مشرق لمحمد.
يقول فايزه لمهاجر نيوز “سيساعده هذا التأهيل المهني على المضي قدما في حياته بألمانيا. يتعلم محمد مهارات جديدة وسيتسلم شهادة رسمية في نهاية البرنامج الممتد لثلاث سنوات، وسيساعده ذلك كثيراً في المستقبل. ويمد هذا النوع من البرامج التدريبية الشباب مثل محمد بمهارات تمنحهم آفاقاً مهنية أفضل”.
يقول محمد إنه يستمتع جدا يعمله حتى أنه قد يرغب بالبقاء في المخبز بعد انتهاء تأهيله المهني “تقدم ألمانيا لمن جاء من سوريا فرصا حقيقية. ألمانيا منحتني الكثير، وأنا ممتن للغاية. أحاول فعلاً الحصول على أكبر فائدة لبناء مستقبلي. وعندما ينتهي هذا التدريب المهني الممتد على مدار ثلاث سنوات، آمل أن تعرض علي وظيفة دائمة هنا”.
لكن محمد يؤكد أيضاً أنه إذا شعر بإمكانية العودة بأمان إلى سوريا فإنه لن يتردد في ذلك: “عندما تنتهي الحرب في سوريا، آمل أن أتمكن من العودة إلى منزلي. لدي عائلة هناك لم أرها منذ أربع سنوات. لديّ ابن أخ وابن أخت لم ألتق بهما حتى الآن. أتمنى حقاً أن أرى أسرتي مرة أخرى قريباً”.
رحلة طويلة
لم تكن رحلة محمد إلى ألمانيا سهلة على الإطلاق. يتذكر كيف عبر بحر إيجه في قارب مطاطي صغير: “كان القارب صغيراً للغاية لدرجة أننا أسميناه البالون. لن أنسى ذلك أبداً، فقد كان الأمر شديد الخطورة”.
من اليونان، شق محمد طريقه إلى وسط أوروبا سيراً على الأقدام في أغلب الأحيان، وقليلاً ما استقل الحافلات. يقول محمد لمهاجر نيوز: “لم أخطط للقدوم إلى ألمانيا على هذا النحو. كل ما كنت أريده هو الوصول إلى أي مكان في أوروبا بعد أن غادرت سوريا”.
كان ذلك قبل أربع سنوات مضت. ومنذ ذلك الحين، تم نقل محمد أربع مرات من منطقة إلى أخرى في ألمانيا. يقول مازحاً وهو ينفض بعض الطحين عن يديه: “أشعر وكأنني رأيت كل ألمانيا”. عندما سئل عن المكان الذي يفضله، أجاب بأنه سعيد للغاية حيث هو الآن: “لدي إعجاب شديد برئيسي في العمل، فهو دائماً يقف بجانبي ويساعدني كلما احتجت إلى شيء. زملائي رائعون، الكل ودود جدا”.
لا لكراهية الأجانب
محمد مغرم أيضاً بأشخاص يشير إليهم باسم “عائلتي الألمانية”، والذين استقبلوه عندما وصل إلى إيبرسفالده: “التقيت بعائلة ألمانية هنا، كانت في غاية الكرم معي. لقد علموني اللغة وهو ما ساعدني كثيراً في العثور على شقة، كما دعموا كل جهودي للاندماج في المجتمع الألماني، لقد منحوني الكثير وأصبحوا بالنسبة لي كعائلتي الحقيقية”.
ولا يعاني محمد من أي صعوبات في تكوين صداقات جديدة. يقول بيورين فايزه: “لقد كان الأمر رائعاً مع محمد. إنه ودود بشكل لا يصدق. إنه صبور وهادئ للغاية، حتى عندما يكون هناك الكثير من الزبائن ينتظرون للحصول على المخبوزات. لديه طريقة لطيفة في التعامل مع الناس. هذه هي إحدى أهم نقاط القوة لديه”. ويضيف لمهاجر نيوز “آمل أن نساهم في إحداث تغيير دائم في المجتمع، وأن تكون أعمالنا نموذجا يحتذي به الآخرون للتخلي عن كل تحفظاتهم ومخاوفهم تجاه الأجانب”.
الحنين إلى الوطن
يقول فايزه إنه بالإضافة إلى الأسباب الأخلاقية للالتفاف حول اللاجئين ومساعدتهم، هناك أيضاً حاجة عملية لهم ولكفاءاتهم ومهاراتهم ويضيف “نحن في الواقع نفتقر بشكل كبير للعمال المهرة في ألمانيا بشكل عام. والآن لدينا كل هؤلاء اللاجئين الشباب المفعمين بالحماس، والذين يرغبون بشدة في بناء مستقبل أفضل لأنفسهم”.
ويشير محمد إلى أنه وغيره من اللاجئين ما كانوا ليغادروا بلادهم ويأتوا إلى ألمانيا لولا الحرب والاضطهاد في بلادهم، وإنه لا شيء يمكن أن يحل محل ذلك الشعور تجاه الوطن الذي يتركه اللاجئون والمهاجرون عندما يقررون الشروع في رحلتهم. ويختم حديثه مع مهاجر نيوز بالقول “سوريا هي بيتي، قبل الحرب كانت بلاداً جميلة حقاً. كانت مدينتي دمشق رائعة. لا يمكنك مقارنة سوريا مع ألمانيا. فلكل بلد ثقافة مختلفة ولأهل البلدين عقليات مختلفة. لكن الوطن هو الوطن”.