المملكة المتحدة

انتقام السيسي.. انتظر عامين ونصف لتصفية الحساب مع ما جرى معه بلندن، وهكذا تدفع Times و BBC الثمن

لم يكن الرجل قد أمضى أكثر من سنة و5 شهور في الحكم، عندما واجهت البلاد أسوأ كارثةبسقوط طائرة الركاب الروسية على سيناء في نوفمبر تشرين ثاني 2015. بعد الحادث بأربعة أيام، حمل الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه وتوجه إلى لندن، وهو يعرف تماماً أن بلاده التي تعصف بها الأزمات ستواجه أسوء موسم سياحي لها، وأن بريطانيا قد تشكل سنداً له على الأقل تضامنا بسبب الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له مصر.

إلا أن الرد البريطاني لم يكن متوقعاً. فبعد أن علقت روسيا رحلاتها الجوية لمصر، أعلن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المصري، أن بلاده هي أيضاً قررت وقف رحلاتها إلى مصر.

وقف السيسي حينها، ربما برهة، يتأمل في ما جرى للتو. كان يعلم بما سيجري منذ الليلة السابقة. مع ذلك بدا في المؤتمر غير مرتاح، إذ أن ساعات عديدة لم تكن كافية لاستيعاب ما لم يكن يتوقعه. تمالك الرجل نفسه، وحاول أن يبدو متفهماً للقرار البريطاني، وهو العارف بأن عوده في الحكم لا يزال غضّاً وأن دولته ستحتاج لسنوات قبل أن يطلق عليها وصف مستقرة.

الرجل بلع الأمر على مضاضة. وضمر في نفسه الاستقبال غير المناسب له بإصدار مثل هكذا قرر. وحينها كان قد اتخذ قراراً ستبدأ مفاعيله بالظهور بعد سنتين ونصف؛ الانتقام!

هذا السيناريو، الذي قاله، في الواقع، دبلوماسي بريطاني في السفارة البريطانية بالقاهرة لـ”عربي بوست”، قد يبدو مبالغاً فيه، لكن فكرة “الانتقام” سبق أن تحدث عنها الرئيس السيسي.

الآن، وبعد أكثر من عامين على اللقاء، “تمر العلاقات المصرية- البريطانية تمر الآن بمرحلة سيئة للغاية”، بتعبير دبلوماسي بارز بالسفارة البريطانية بالقاهرة، والمؤشر الظاهر للتوتر هو الموقف من صحفيين بريطانيين مؤخرا.

واعتبرت مصادر بريطانية مطلعة، لموقع “عربي بوست”، أن موقف الحكومة المصرية من صحيفة Times وهيئة الإذاعة البريطانية BBC هو تصفية حسابات مع بريطانيا؛ أولاً لموقفها من جماعة الإخوان المسلمين، وثانياً للموقف المحرج الذي تعرض له الرئيس السيسي في زيارته الأخيرة للندن.

ماكرون فاجأ السيسي بقرار إجلاء السياح البريطانيين

وقال الدبلوماسي البريطاني لـ “عربي بوست” إن الرئيس عبد الفتاح السيسي “لم ينسَ التعالي والغطرسة” التي تعامل معه بها ديفيد كاميرون في أثناء زيارته لندن في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وتم وقتها إخطار الرئيس المصري، قبل ليلة واحدة من لقائه رئيس الوزراء، أنه خلال نصف ساعة سيصدر قرار إجلاء السائحين البريطانيين من مصر.

القرار جاء على خلفية توافر معلومات استخباراتية لدى الحكومة البريطانية، تشير إلى أن انفجاراً وقع داخل الطائرة الروسية أدى إلى سقوطها. وردد ديفيد كاميرون الكلام نفسه في وجود الرئيس المصري، معلناً وقف الرحلات إلى مصر وإجلاء السياح البريطانيين منها، الأمر الذي وضع السيسي في موقف بالغ الحرج.

وكان المؤتمر الصحفي بلا صحفيين

الزيارة التي لم تتكرر منذ ذلك الوقت، استدعت آنذاك اهتمام الكاتب الصحفي البريطاني مايكل ديكون، الذي علق على الطريقة التي تعامل بها كاميرون مع السيسي في مقال له بالتلغراف.

قال ديكون: “لم يمنح كاميرون السيسي أكثر من ساعة، بعدها تركه بمكتبه ليذهب ويحضر تسليم إحدى الجوائز في البرلمان. لكن المحرج حقاً هو المؤتمر الصحفي الذي أُقيم للسيسي بلا صحفيين، ربما حرصاً من كاميرون على سلامتنا!”.

السيسي بدا غاضباً جداً في المؤتمر الصحفي الخالي من الصحفيين؛ وهو ما دفع الإعلامي المصري خيري رمضان لسؤال السفير المصري في لندن عن سر ملامح الغضب البادية على الرئيس.

وبعد عودة الرئيس، شن الإعلام المصري هجوماً ضارياً على تصرُّف كاميرون المهين واتخاذ قرار إجلاء السياح البريطانيين بهذه الطريقة في أثناء زيارة السيسي لبريطانيا. الكاتب الصحفي عبد الله السناوي قال إنه “جَلْيَطة دبلوماسية”، في مقال له بجريدة “الشروق” بعنوان “مسألة كبرياء”، مؤكداً أن “ضرب السياحة في مقتل هو ضرب تحت الحزام”.

أما الدكتورة لميس جابر، الكاتبة المقربة من النظام، فقالت عبر جريدة “الوطن”، وتحت عنوان “قلة أدب إنكليزي“، إن تاريخ الإنكليز مع المصريين أسود. أما إبراهيم عيسى، فعلَّق قائلاً: ” كان يجب على الرئيس قطع الزيارة فوراً؛ رداً على هذا الصلف البريطاني”.

القاهرة تعاقب لندن على وقائع الزيارة والموقف من الإخوان

الأسابيع الأخيرة شهدت تصعيدا من الإعلام الرسمي والموالي في مصر ضد الإعلام البريطاني، لا سيما صحيفة Times وهيئة BBC.

يرى الدبلوماسي البريطاني في حديثه إلى “عربي بوست” أن ترحيل صحفية Times ومن قَبلها BBC هو أسلوب النظام المصري في تصفية حساباته السياسية مع لندن، سواء موقفها من جماعة الإخوان المسلمين أو ما اعتبرته مصر إهانة للسيسي في أثناء زيارته الأخيرة. “أضف إلى ذلك، أن السيسي مثل كل الساسة لا يعرف سوى لغة المصالح، وإنكلترا لا تمثل له أي مصدر إمداد يجبره على ابتلاع تلك الإهانة، فلا هي فرنسا التي تمده بالسلاح، ولا روسيا التي تدعمه سياسياً، وبالقطع لسنا الخليج الذي يموله بالمال”.

الأزمة مع الصحفيين البريطانيين في القاهرة

وكانت الحكومة المصرية رحّلت مراسلة صحيفة الـ Times بيل ترو، تلتها دعوات لمقاطعة قنوات BBC، على خلفية تقريرين اعتُبرا هجوماً على مصر.

وفي فبراير/شباط الماضي، نشرت مراسلة Times مقالاً  شرحت فيه تفاصيل ترحيلها من القاهرة.

غادرت ترو مقهى شعبيا بحي شبرا شمال القاهرة، بعد مقابلة صحفية مع أسرة أحد الغارقين في طريقهم للهجرة غير الشرعية. استقلت سيارة أجرة، وما هي ألا أمتار حتى داهمتها سيارة، هبط منها 5 رجال بملابس مدنية وألقوا القبض عليها.

أمضت ترو 7 ساعات في أحد أقسام القاهرة، وتم تخييرها ما بين المحاكمة العسكرية والترحيل الفوري بما عليها من ملابس.

الهيئة العامة للاستعلامات قالت بعد ذلك، إن ترحيلها لم يكن لأسباب سياسية أو لضيق الحكومة المصرية ذرعاً بالانتقادات الموجهه لها، وأن الأمر لا يعدو كونه إجراء روتينياً مع مراسلة لم تتقدم للحصول على تصريح عمل مؤقت لحين تسلُّمها تصريحها السنوي.

في الأسبوع نفسه تقريباً، كانت هناك حملة ضارية تشنها الدولة المصرية على محطة BBC على خلفية تقرير بثته المحطة عن الاختفاء القسري  في مصر. لم يتوقف التضييق على المحطة عند تقديم البلاغات ودعوات للمقاطعة؛ بل وصلت حملات الشحن ضد BBC بأن توقفت المطاعم المحيطة بالمحطة عن توصيل الوجبات للعاملين بها، باعتبارهم أعداء للوطن.

ولم تقف تضييقات الأمن على المحاضر والتشويه عبر الإعلام الموالي للحكومة، بل تجاوزت الأمور ذلك لمستويات غريبة.

أحد العاملين في مكتب بي بي سي بالقاهرة، والذي رفض ذكر اسمه لدواعي أمنية، تحدث إلينا قائلا: “تصور أن الطعام نفسه لم يعد يصل إلينا”.

يشرح الموظف الفكرة ” اعتدنا كشأن كل المصريين طلب الغذاء أحيانا من المطاعم المحيطة، لكننا فوجئنا بردود عجيبه، فأحدهم صرخ في وجهنا قائلا: لا يوجد”، واخر أغلق سماعة الهاتف، أما من يستجيب لنا فيرسل الطعام متأخر على الأقل ساعتين”، كل هذا عندما يعرف المطعم أن جهة التوصيل هي مكتب بي بي سي.

“سخافات غير مسبوقة الصراحة”، هكذا يصف الأمر.

نائب البرلمان يتحدث عن خطة بريطانية لتشويه النظام المصري

نائب البرلمان المصري اللواء حمدي بخيت اعتبر أن سبب التوتر الأول مع لندن هو استضافتها “عناصر الإرهاب”، في إشارة لوجود قيادات من جماعة الإخوان هناك.

بخيت، عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان المصري، الذي يكرر دائما اتهاما لبريطانيا بأنها الدولة التي تدير جميع الأزمات بأجهزة مخابراتها، أضاف في مكالمة هاتفية مع “عربي بوست”، أن هناك الآن مخططاً بريطانياً لتشويه النظام المصري، يشارك في تنفيذه الإعلام والمخابرات.

وأكد بخيت أن مصر دولة قانون، وأن المخالف هو فقط من يتعرض للمحاسبة، وهو ما حدث مع Times و BBC، “مصر دولة ذات سيادة، وعلى الجميع أن يعلم هذا”.

وحتى هذه اللحظة، تدور تساؤلات عن الخطوة المقبلة للنظام المصري صوب الإعلام الغربي بصفة عامة، والإنكليزي بصفة خاصة، واحتمالات التهدئة بعد انتهاء جولة الانتخابات الرئاسية باكتساح السيسي 97٪ من الأصوات.

 

هذا المقال من موقع بوست عربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى