أكثر من 100 نادي كرة قدم لا يقوم بدمج أطفال اللاجئين في صفوفه. لا أحد يريد تحمل مسؤولية ذلك، ولا أحد يريد العمل على تغيير هذا المشهد، والسياسيون المعنيون يعتبرون أن المشكلة لا تستحق الذكر.
قصة مسعود أوزيل الذي ولد لأبوين مهاجرين ونشأ وترعرع في ألمانيا وخاض تجربته في الاندماج بشكل ناجح، حيث شكلت ذروة نجاحه دخول المنتخب الألماني وحمل ألوان البلاد لسنوات طويلة، بما في ذلك الفوز بكأس العالم عام 2014، وحتى نهاية دوره في المانشافت بسبب مشاكل تدخل في إطار إشكالية الاندماج، تظهر وبشكل جلي مدى أهمية الرياضة باعتبارها الوسيط الملائم لدمج المهاجرين واللاجئين في المجتمع وبشكل أسرع مما يتوقعه أكثر تفاؤلا في هذا الشأن.
وهنا تلعب الأندية الرياضية، وخصوصا أندية كرة القدم، دورا أساسيا، فهي الساحة التي تجري عليها عملية الدمج والتي تشهد يوميا الكثير من المشاكل والعراقيل والصعوبات التي يتم تذليلها بتعاون المسؤولين في الأندية مع المهاجرين وذويهم ومع السياسيين المعنيين، المحليين منهم والاتحاديين، بما في ذلك الاتحاد الألماني لكرة القدم ـ DFB ـ والروابط الرياضية المحلية في الولايات الألمانية المختلفة. فيما يلعب النشطاء المتطوعون دورا محوريا في إطلاق وإنجاح عملية دمج المهاجرين عبر الرياضة في المجتمع.
بيد أن شعور الاستياء والامتعاض باتت كبيرة في أندية كرة القدم، خصوصا لدى المتطوعين من النشطاء الذين يعملون كمدربين أو مشرفين على الفرق أو ينظمون الشؤون المالية لها أو المفوضين عن شؤون رعاية الشباب، كل هؤلاء جميعا يعملون معا من أجل استمرار نشاط الأندية والهدف النهائي هو إعداد جيل جديد من الرياضيين كروافد أساسية لنمو وازدهار الرياضة في البلاد. وهنا لابد من الإشارة إلى أن عدد هؤلاء النشطاء المتطوعين كبير للغاية ويصل إلى عشرات الآلاف من النساء والرجال.
ويبدو حاليا أن استياء هؤلاء يزداد نظرا لتدهور الوضع بالنسبة لدمج أطفال اللاجئين والمهاجرين في الأندية، خصوصا بعد موجة الهجرة الكبيرة في عام 2015، حيث ارتفع عدد الأطفال من أصول مهاجرة الراغبين في الانضمام إلى الأندية الرياضية في ألمانيا. جدير بالذكر هنا أن الكثير من أطفال اللاجئين الراغبين في الاندماج الرياضي يجلبون معهم إلى جانب حماس منقطع النظير، الكثير من الخبرة الفنية، لكنهم في نفس الوقت يفتقرون إلى اللغة الألمانية، كما أن ظروف معيشتهم غير مستقرة.
ويشكل أمر انضمامهم إلى فرق كرة القدم وانخراطهم في خططها وبرامجها بشكل منتظم، كالمشاركة في حصص التدريب المشتركة الأسبوعية إلى جانب المشاركة في المسابقات الكروية المحلية أو المشاركة في مباريات الدوريات المحلية وتسجيل النقاط، كلها أمور تدفع في دمج الأطفال في المجتمع بشكل لا يشعر به المرء كأمر أساسي، بل يعتبر نتاجا ثانويا. فالنشاط الرياضي المنظم يساهم في دمج المهاجر في المجتمع دون عناء كبير.
ولكن يبدو أن هذا الأمر ليس بالسهل، كما يتصور البعض، فموقع شبيغل أولاين يشير في هذا السياق في مقال موسع إلى أن تقديم طلبات الحصول على رخصة اللعب أو ما يسمى ببطاقة ممارسة اللعب للاعبين الأجانب يشكل كابوسا بيروقراطيا، وأحيانا لا يمكن الحصول على ذلك إطلاقا، كما يوضح شبيغل أونلاين. فحسب الموقع، لا يجوز لنادي كرة قدم الذي له فريق واحد يلعب في أحد دوريات الأربعة في البلاد أن يزج بلاعب غير ألماني في المباريات ذات النقاط، حتى لوكان اللاعب بعمر ثماني سنوات.
هل هناك حالات استثنائية؟
يجوز للروابط الرياضية المحلية أن تغيير قوانينها الداخلية لتسمح بولوج لاعبين أجانب في المباريات، أو يمكن لها أن تبسط قواعد المشاركة فيها. ويمكن أيضا للاتحاد الألماني لكرة القدم ـ DFB ـ أن يقدم طلبا رسميا للاتحاد الدولي لكرة القدم ـ الفيفا ـ بهذا الخصوص أو الترويج على الأقل لهذه الفكرة مع دعوة الروابط المحلية التابعة له ويبلغ عددها 21 رابطة إلى عدم تعقيد قواعد اللعبة أكثر مما هو عليها حاليا.
فيما تتمكن السياسة من أن تبعث بإشارة واضحة في هذا الخصوص لتسهيل أمر دمج اللاجئين في المجتمع، خصوصا وأن السياسيين يتغنون يوميا بدمج المهاجرين في المجتمع وبذل كل ما هو ممكن لتحقيق ذلك. ولكن لا توجد إشارة من هذا النوع، ولا احد يرغب في تغيير الواقع المرير هذا.
من جانبها، ردت مفوضة الحكومة الاتحادية لشؤون دمج المهاجرين واللاجئين، آنيتا فيدمان ـ ماوتس، على استفسار تقدمت به “شبيغل” تخص أندية كرة القدم ومشكلة دمج اللاجئين فيها، ردت بالقول إن دائرتها وبعد تشاورها مع الاتحاد الألماني لكرة القدم لاحظت أن المشكلة المذكورة تخص فقط 127 ناديا من مجموع 24.742 ناديا في عموم ألمانيا. وبذلك لا تستحق المشكلة الذكر أساسا بالنسبة للسياسيين المعنيين. فيما أشارت المفوضة أيضا إلى الكثير من المشاريع الرياضية لدمج أطفال اللاجئين والمهاجرين في الأندية الرياضية وبالتشاور مع الاتحاد الألماني لكرة القدم.
جدير بالذكر أن من بين الأندية 127 التي ذكرتها دائرة المفوضة الحكومية لشؤون الاندماج، هناك أندية كبيرة وعريقة، مثل نادي فيكتوريا برلين والذي يضم أكبر قسم لكرة القدم من أندية ألمانيا، حيث يلعب في 65 مجموعة وفريق في النادي أكثر من 1600 عضو. كما أن هناك الكثير من الأندية الألمانية التي تضم مئات اللاعبين وفرق كروية تلعب في واحد من الدوريات الأربعة في ألمانيا وكلها مشمولة بقرار منع زج لاعبين غير ألمان في مبارياتها.
السياسيون يقللون من شأن الظاهرة
اللجنة الرياضية في البرلمان الألماني ـ بوندستاغ ـ وعلى لسان رئيستها من الاشتراكيين داغمار فرايتاغ، لا ترى وجود مشكلة في هذا السياق أيضا، حيث كتبت باسم اللجنة تقول إن اللجنة الرياضية لا تأثير لها على قرارات الروابط الاتحادية أو المحلية. وتقترح السياسية أن يبحث أطفال اللاجئين عن أندية أخرى غير التي ترفض دمجها مشيرة إلى وجود أكثر 24.500 نادي يمكن الانتماء إليه، خصوصا وأنها أندية معروفة بنشاطها في دمج اللاجئين والمهاجرين وهي لا تقل أهمية من الأندية المذكورة على الإطلاق، حسب راي رئيسة لجنة الرياضة البرلمانية.
أما نائب رئيسة لجنة الرياضة ديتر شتير وهو من حزب المحافظين فرد بشكل مقتضب قائلا إنه لا ينوي مناقشة هذه القضية علنا ومشيرا إلى استقلالية روابط كرة القدم. فقط السياسي من حزب اليسار آندري هان ابدى اهتماما بالموضوع وقال إن القواعد المذكورة تضمن حماية اللاعبين القصر ولذلك تبدو معقولة. وعدا ذلك دعا السياسي اليساري الأندية والروابط الرياضية إلى تقديم مقترحات للسياسيين توضح جوانب المشكلة ليتسنى للنواب دراسة الموضوع والتقدم بمقترحات عملية لتقديم المساعدة اللازمة والمطلوبة.
وحتى يحين موعد حلحلة المشكلة في المستقبل البعيد، يبقى نشطاء الأندية من المتطوعين يصارعون هذه المشكلة يوميا، علما أن الجميع يعانون من القواعد الصعبة التي يضعها الاتحاد الألماني لكرة القدم عموما أمام الأندية ليس فقط في مجال دمج اللاجئين والمهاجرين، بل في مجالات أخرى أيضا.