أزمة بدانة في بريطانيا
في بريطانيا أزمة صحية، هي أزمة البدانة. ولأنّ الحكومة رأت ضرورة في التحرّك، فقد أعلنت خلال مارس/ آذار الماضي عن خطة تهدف إلى تقليل السعرات الحرارية في بعض الأطعمة بنسبة 20 في المائة على مدى السنوات الخمس المقبلة. وخطّة الحكومة البريطانية من شأنها أن تمنع بحسب ما هو متوقّع، 35 ألفاً و370 وفاة مبكرة مرتبطة بالبدانة خلال 25 عاماً. كذلك، من شأنها أن توفّر أكثر من تسعة مليارات جنيه إسترليني لمصلحة هيئة الخدمات الصحية الوطنية، بحسب ما أوردت بوابة “ستاتيستا” للإحصاءات.
يفيد تقرير صادر عن وكالة الصحة العامة – إنكلترا بأنّ نحو ربع الأطفال (22.6 في المائة) الذين تتراوح أعمارهم ما بين أربعة أعوام وخمسة كانوا يعانون من السمنة أو من زيادة في الوزن في فترة 2016 – 2017، وهو أمر يثير القلق ويجعل من البدانة أزمة خطيرة في المجتمع. وتأتي النسبة أكبر لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و11 عاماً، إذ تزيد عن الثلث (34.2 في المائة).
في هذا السياق، تقول جيمي ميلز من مكتب إعلام وكالة الصحة العامة – إنكلترا لـ”العربي الجديد”، إنّ “وزارة الصحة هي المسؤولة عن وضع السياسات الصحية في البلاد”. وفي ما يتعلّق بارتفاع أسعار الفواكه التي تُعَدّ من الأطعمة الصحية، تؤكد أنّ “هذه مسألة خاصة بالحكومة”، في حين تتهم “الشركات التي تبث إعلانات عن أطعمة غير صحية بالمساهمة في انتشار البدانة”. وتشرح أنّ “ما يزيد عن 90 في المائة من المنتجات الغذائية التي تحتوي على مستويات دهون مرتفعة، يُعلن عنها خلال برامج خاصة بالأطفال. وهذا أمر مثير للقلق”.
وتتابع ميلز أنّ “وكالة الصحة العامة – إنكلترا تقدّم طرقاً عدّة لمساعدة الأشخاص على اتخاذ خيارات صحيّة، ومنها برنامج الحدّ من السكر. فهي تعمل مع اتحاد الأطعمة والمشروبات لإزالة 20 في المائة من السكر في الأطعمة التي يستهلكها الأطفال بشكل كبير مع حلول عام 2020. كذلك، ثمّة برنامج تخفيض السعرات الحرارية في صناعة الأطعمة والمشروبات في عدد من الأطعمة المشهورة بنسبة 20 في المائة مع حلول عام 2024. وتسعى الوكالة إلى تحقيق هذه الأهداف عبر وسائل عدة منها تقليص حجم الأطعمة أو دفع المستهلكين إلى خيارات تتضمّن نسباً أقلّ من السكر. وهو ما يعني أنّ الأطعمة والمشروبات التي يشتريها الناس يومياً، لا بدّ من أن تكون صحية أكثر من دون أن يدركوا ذلك”.
وتتحدّث ميلز عن حملة وكالة الصحة العامة – إنكلترا التي تُعرف باسم “تشاينج فور لايف” (Change4Life) والتي تساعد الأهل على اتخاذ خيارات صحيّة لجميع أفراد الأسرة. وتلفت إلى أنّ “الحملة شجّعت الآباء على البحث عن وجبة خفيفة تحوي 100 سعرة حرارية في اليوم كحدّ أقصى، للمساعدة في معالجة واقع أنّ ثلث أطفال إنكلترا يعانون من السمنة أو من زيادة في الوزن”. تضيف ميلز أنّ تطبيق “فود سكانر” (Food Scanner) يكشف الأطعمة المشبعة بالسكر والملح والدهون والسعرات الحرارية، ويسهّل الخيارات الصحية. أمّا حملة “وان يو” (One You) فهي بحسب ميلز تساعد البالغين على القيام بنشاط بدني أكبر وعلى تناول الطعام الصحي والإقلاع عن التدخين، في حين أنّ تطبيق “أكتيف تن” (Active 10) الخاص بالبالغين يساعدهم كذلك على زيادة نشاطهم البدني. وفي ما يخص الحملة الأخيرة التي أُطلقت للبالغين، فهي وفقاً لميلز تعرف باسم “400 – 600 – 600” وتحثّ على تناول 400 سعرة حرارية فقط خلال وجبة الفطور ونحو 600 خلال الغداء وكذلك خلال العشاء، وذلك بهدف مساعدة ثلثي بالغي بريطانيا الذين يعانون من السمنة أو من زيادة في الوزن.
من جهتها، تقول اختصاصية التغذية صوفيا صادر لـ”العربي الجديد” إنّ “الأهم هو أن ندرك أنّ البدء بنظام غذائي صحي منذ الصغر أسهل بكثير من اتباع نظام صحي في وقت لاحق من العمر”، مشددة على أنّه “من الضروري أن يكون الأهل قدوة لأطفالهم وأن تكون ثمّة ثقافة صحية في المنزل”. وتتحدّث صادر عن “إمكانية متابعة ما يتناوله أبناؤنا في المدرسة، عبر الاطلاع على قائمة الطعام الخاصة بالمؤسسة التعليمية واختيار المناسب منها. ومن المهم قراءة ما تحويه الأطعمة التي نقدّمها إلى أطفالنا، من قبيل حبوب الفطور التي تأتي بنكهات مختلفة والتي يتناولها الأطفال على أنّها وجبة صحية على الرغم من أنّ كثيراً منها يحتوي على كميات كبيرة من السكر، باستثناء تلك التي لم تُضف إليها نكهات”.
وتؤكد صادر على ضرورة “تناول الخضار والفواكه، مع الانتباه إلى أنّ السكر الطبيعي الموجود في الفواكه يتحوّل إلى فروكتوز في الجسم ولا يختلف عن الغلوكوز المصنّع”. وتنصح بتناول “حصّتَين من الفواكه يومياً وثلاث حصص من الخضار، لأنّ التعليمات الصحية العامة تدعو إلى تناول خمس حصص من دون أن تقسّم بين النوعَين”. وتشرح أنّ “تناول شخص ما خمس حصص من الفواكه في اليوم، يعني أنّه استهلك نحو 15 ملعقة من السكر. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى الدهون المفيدة، فالتسويق في بريطانيا يسيء توجيه الناس. تناول كميات كبيرة من الدهون الجيدة سوف يؤدي في النهاية إلى السمنة، وما ينتج عنها من مشاكل صحية. وإذا كان الشخص نشيطاً جداً ويمارس الرياضة يومياً، حينها يحقّ له بتناول ست ملاعق طعام من تلك الدهون مثل زيت الزيتون وغيره. هي لا شكّ مفيدة جداً، لكن ينبغي الانتباه وعدم الإفراط في تناول أكثر ممّا يستوعبه جسمنا”.
في سياق متصل، أعدّت مجموعة “ساستين” المعنية بالغذاء والصحة، قائمة بأسماء الشركات التي تنتج أغذية مضرّة، ولفتت إلى ضرورة اتخاذ إجراءات من قبل الحكومة وهيئات الرقابة على الغذاء والتلفزيون لمنع استهداف الأطفال من خلال الإعلان عن الأطعمة غير الصحية. وكشفت أنّ الأطفال يتناولون عادة أقل من نصف الحصص الخمس الموصى بها من فاكهة وخضار في اليوم الواحد.
إلى ذلك، أورد موقع “ديلي ميل” الإخباري أنّه فضلاً عن معاناة عددٍ لا يستهان به من أطفال بريطانيا من السمنة، فإنّ 53 في المائة منهم مصابون بتسوّس في الأسنان. أضاف أنّ الإعلانات الغذائية هيمنت على جدول الإعلانات التلفزيونية، وما بين 95 و99 في المائة منها تروّج لأطعمة تحتوي على كميات مرتفعة من الدهون والسكر والملح. كذلك، مثّلت إعلانات الحلوى والشوكولاتة والكعك والبسكويت 48 في المائة من إعلانات الطعام الخاصة بالأطفال، من دون إعلان واحد لفاكهة أو خضار في فترات مشاهدة التلفزيون من قبل الكبار أو الأطفال.
المصدر: العربي الجديد