مقالاتهولندا

كيف استطاعت هولندا تعليم العالم “العمل عن بعد”

يبدو أن هولندا قد اكتشفت شيئا جديدا عن العمل عن بعد (في زمن كورونا أو من دون كورونا) لم تعرفه بعد باقي دول العالم بعد.

العمل عن بعد
مكتب منزلي

إذا كنت تعمل على جهاز الكمبيوتر الخاص بك من المطبخ أو غرفة النوم أو على الشرفة، فأنت لست وحدك. فمنذ تفشي وباء كورونا، قررت الشركات حول العالم وضع قيود معينة لإبطاء انتشار الفيروس ومن هذه القيود نقل العمل بشكل كامل إلى المنزل.

وبينما الكثيرون يحاولون التكيف مع “الوضع الجديد” يتوقع بعض الخبراء أن العمل عن بُعد قد يبقى حتى مابعد أزمة كورونا. لهذا بدأ الكثير من الأشخاص يجهزون منازلهم بمكاتب مؤقتة أو دائمة، وبدء الكثيرون أيضا بالبحث عن طرق للتعامل مع آلام الظهر. ولكن بالنسبة للبعض (وخاصة في هولندا) يعد العمل من المنزل مجرد يوم طبيعي آخر في المكتب، حيث يستفيد الآلاف من العمال في هولندا من ثقافة العمل المرنة بشكل مذهل في البلاد.

النسبة المئوية للأشخاص العاملين الذين يعملون عادة عن بعد من قبل تفشي فيروس كورونا ظلت عند 4.7 ٪ في المملكة المتحدة، و 3.6 ٪ في الولايات المتحدة و 14.1 ٪ في هولندا وفنلندا.

في الواقع دائما ماكانت هولندا رائدة في مجال العمل عن بعد، فقط فنلندا الدولة الوحيدة التي شاطرت هولندا المرتبة الأولى أما الفرق بين هولندا وفنلندا والدول الأخرى شاسع.

نسبة العمل عن بعد في أوروبا
نسبة العاملين من المنزل لعام 2019
المصدر: مكتب الإحصاء الأوروبي يوروستات

يقول إيفو فان دورن، وهو مهندس من أمستردام: “عندما بدأ الوباء، وجدت نفسي فجأة ألعب دور مدرب عن بعد لزوجتي وجيراننا”. كنت أجيب فجأة على أسئلة حول الشبكات المنزلية واجتماعات الفيديو. لقد كان الأمر مثيرا للاهتمام لأنني كنت أعتبر هذه الأشياء أمرا مسلما به “.

في جميع أنحاء العالم، وجدت العديد من الشركات أن التحول إلى العمل من المنزل كان انتقالًا صعبا نوعا ما. حيث أن تعيين موظفين في المكاتب عادةً كان يبقي الموظفين على اتصال، والعمل من المنزل كان تحول كبير بالنسبة لمعظم الناس. ولكن بالنسبة لهولندا، فإن القوى العاملة الضخمة في البلاد استطاعت ببساطة الانتقال إلى العمل عن بعد من دون أي تعقيدات.

يقول فان دورن: “كان لدى الهولنديين مزايا معينة عندما دخلنا في حالة الإغلاق الشامل” (…) “نحن محظوظون جدا لكون  98 ٪ من المنازل الهولندية لديها الإمكانية للوصول إلى إنترنت عالي السرعة، ولدى هولندا مزيج بين التكنولوجيا والثقافة لإنجاح العمل عن بُعد.”

ثقافة ناضجة: العمل عن بعد في هولندا

تشير نتائج استطلاع حديث للرأي أجرته الولايات المتحدة، إلى أن 59٪ من العاملين عن بُعد يرغبون في مواصلة العمل عن بُعد بقدر الإمكان بمجرد رفع القيود المفروضة على الشركات وإغلاق المدارس بالكامل. وقد اقترحت شركات دولية كبرى، بما في ذلك شركة تويتر، أن مساحة مكاتب المدينة باهظة الثمن قد أصبحت شيئًا من الماضي. وقد ألمحت الشركة بالفعل إلى أنه في نهاية المطاف تخطط لتطبيق لسياسة العمل من المنزل حتى بعد كورونا.

تعتقد آوكيا ناوتا أستاذ علم النفس التنظيمي في جامعة لايدن الهولندية، التي تبحث في كيفية تعزيز الشركات للأفراد في سياق عمل ديناميكي، أن أصحاب الشركات ينظرون إلى هولندا للحصول على الإلهام وللبحث عن أفضل السبل لتطبيق سياسة العمل من المنزل.

تقول ناوتا: “قيم مثل الديمقراطية والمشاركة، متجذرة بعمق في ثقافة العمل الهولندية، لذا يضع المديرون ثقة أكبر في موظفيهم أكثر من أي مكان آخر في العالم” (…)”على سبيل المثال ، لدى شركة ING [شركة هولندية ذات نفوذ كبير مقرها في أمستردام] سياسة الآن بشأن العطلات غير المحدودة التي يتم تنفيذها على مجموعات تجريبية من الموظفين، حيث يمكنهم قضاء العطلة كما يحلو لهم وكيف ما أرادوا طالما أنهم يسلموا مهامهم على أكمل وجه. يتعلم أصحاب العمل في أماكن أخرى في العالم الآن أنه يمكن الوثوق بالموظفين للعمل من المنزل، وأعتقد أنه في أوقات ما بعد فيروس كورونا، ستظهر مجموعات ذكية من العمل من المنزل في جميع أنحاء العالم “.

ملك هولندا
الملك الهولندي ويليم ألكسندر يعمل من المنزل (العمل عن بعد) في صورة تم نشرها في لاهاي في شهر أبريل الماضي.(Credit: Getty Images)

يقول بارت خوت، عالم الأعمال المستقبلي وعلم النفس: “البنية التحتية المادية متطورة جدا في هولندا، ومرافق العمل عن بعد العامة والتجارية متوفرة”. (…) “أعادت المكتبات العامة اختراع نفسها كمساحات عمل حديثة ضخمة ومريحة … هناك عدد هائل من المقاهي الصغيرة عالية الجودة التي تخدم العاملين عن بعد.

العمل عن بعد في هولندا لم يعطي فائدة لموظفي الشركات الكبيرة فقط، حيث يعمل حوالي 1.1 مليون شخص في هولندا لحسابه الخاص، وقد سهّل العمل عن بعد في هولندا العاملين لحسابهم الخاص والشركات الناشئة الصغيرة للعمل دون الحاجة إلى استئجار مساحة مكتب مخصصة.

amsterdam
أمستردام

القدرة على إعادة التنظيم و التأقلم:

مع إظهار هولندا مستوى مثير للإعجاب من الثقة في موظفيها وفهم الأطر الرقمية اللازمة لدعم العمل عن بعد، قد تتطلع دول أخرى الآن لنسخ التجربة الهولندية، حيث أن هولندا استطاعت إعادة تنظيم العمل و التأقلم وحتى التخطيط لمستقبل ما بعد فيروس كورونا.

بينما تكافح العديد من الدول بالتأقلم مع ثقافة العمل الحالية، حيث قال 83 ٪ من موظفي المملكة المتحدة أنهم لاحظوا ظهور ضغط داخل مكان عملهم خلال أزمة كورونا.

في الولايات المتحدة، حوالي 15٪ من المنازل ليس فيها إنترنت سريع، وقال واحد من كل خمسة موظفين أنهم يشعرون بالذنب بشأن قضاء بعض الوقت خارج المكتب في ساعات العمل.

أما في هولندا، يوجد مزيج من البنية التحتية المتناسقة، والاستثمار في المستقبل الرقمي، وثقافة الثقة بين الموظفين وأصحاب العمل مما يجعل هولندا نموذجا طموحا لعالم العمل عن بعد. لا يزال لدى الكثير من الشركات في البلدان الأخرى الكثير من الأمور لفهمها لتتكيف مع أمور طارئة مثل أزمة فيروس كورونا والعمل عن بعد.

يقول خوت: “ما رأيناه خلال الأشهر القليلة الماضية في هولندا هو القدرة على إعادة التنظيم” (…) “نحن نعمل الآن عن بعد على نطاق عالمي هائل. أعتقد أننا سنخرج من هذه الأزمة بمعرفة رقمية كبيرة، مدركين أن العديد منا قادرون على العمل عن بعد، مع مزيد من الاستقلالية.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى