لم ينس كيف انهال المصورون على الأميرة ديانا وهي تحتضر.. في حفل زفاف هاري: لن يحضر إلا صحفي واحد
قضى آرثر إدواردز، مصوّر صحيفة The Sun البريطانية أربعة عقودٍ من عمره وهو يهرول خلف أفراد العائلة الملكية في بريطانيا، ولا يفتأ يروي ذكرياته عن الطيبة التي أغدقته بها العائلة الملكية على مرّ السنين: ما بين برقية مرحة أرسلها له الأمير تشارلز عام 1981، ومكالمة هاتفية ودودة لحفيدته من الأميرة يوجين عام 2013.
غير أن الوجوم يكسو وجه إدواردز بمجرد ذكر الأمير هاري، الذي سيكون زفافه على الممثلة الأميركية ميغان ماركل، في 19 من مايو/أيار، حديث الساعة طوال العام، بالنسبة لمعظم وسائل الإعلام البريطانية، بحسب ما ذكرت صحيفة The New York Times الأميركية.
يقول إدوارد: “لا يخفى على أحد أن هاري ينأى بنفسه عنا، ولم يعد يلقي علينا تحية الصباح. إنه منزعجٌ منا بشكل عام”.
غير أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن إدواردز، من أن يكون الأمير هاري في مزاج متسامح مع اقتراب موعد الزفاف، وأعلن القصر تفاصيل إبعاد الصحفيين عن مراسم الزفاف، التي ستكون شبه خالية من الصحفيين.
لن يدخل إلى كنيسة سان جورج سوى صحفي واحد لحضور الزفاف، حسبما أعلن متحدثٌ باسم القصر الثلاثاء 1 مايو/أيار 2018، مبيناً أن المساحة ضيقة، وأن هذه ليست مناسبة رسمية للدولة.
وستُخصَّص أربع نقاط مميزة لوقوف المصورين الصحفيين خارج الكنيسة، مع تخصيص مواقع لعشرات آخرين على طول طريق العربة وداخل القصر.
وقال السيد إدواردز السبعيني المخضرم، الذي حضر 7 حفلات زفاف ملكية، إنه يقدر أن الأميرهاري هو من اتّخذ هذا القرار: “لا أتصور أن المسؤول الإعلامي في القصر نصح الأمير بذلك. ما حدث أنه وميغان شاهدا المكتوب، وقالا إنهما لا يريدان لأحد أن يقترب من الزفاف. هذه رسالةٌ واضحة”.
وتعد ميغان، المطلقة الأميركية التي تعمل ممثلة تلفزيونية، زوجة غير تقليدية بشكل بيِّن بالمعايير الملكية. ولم تتعامل معها الصحف البريطانية بما يكفي من الحذر، فنُشرت عدة مقابلات مع أقارب لها لم تدعُهم إلى الزفاف. غير أن التوتر بدأ يشوب العلاقة بين العائلة الملكية والصحف الشعبية، رُكني بريطانيا المحافظة، قبل أن تظهر ميغان على الساحة بوقتٍ طويل.
ولعقودٍ دأبت الصحف الشعبية عند تناول حفلات الزفاف والمواليد الملكية أن تصور أفراد الأسرة الملكية بأنهم كسالى أو غير مهندمين أو مبذرون أو أنانيون. وبذل أفراد الأسرة الملكية وسعهم لمنع الصحافة من الوصول إلى حيواتهم الخاصة.
ويدرك كل طرفٍ من جهته اعتماده على الآخر، الصحف تدرك أهمية الأسرة الملكية لها للوصول إلى الأخبار، والأسرة الملكية تدرك أهمية الصحافة لتحقيق الشهرة.
ويصف ستيج أبيل، الذي عمل مديراً للجنة الشكاوى الصحفية الرقابية في بريطانيا، العلاقة بين الطرفين بأنها “عناقٌ يوشك أن يتحول إلى خناق”.
كراهية الأمير هاري ووليام للإعلام
ويبدو أن زفاف الأمير هاري نقطة تحول في هذه العلاقة، مع تصدر جيل الشباب، المتشكك حتى النخاع في مصداقية وسائل الإعلام الإخبارية، من الأسرة الملكية للمشهد.
لا شيء يثير الدهشة في اهتمام وسائل الإعلام بالأمير هاري وشقيقه الأمير ويليام. فقد كانا في الثانية عشرة والخامسة عشرة حين ماتت أمهما، الأميرة ديانا، في حادث سيارة، حين انحرف سائقها في نفق في باريس، وهو يحاول الهروب من أحد الصحفيين المتتبعين لديانا على دراجة بخارية.
ولم يخفِ الأمير هاري، تحديداً، كراهيته لأولئك المصورين، الذين قال عنهم في مقابلة العام 2017 إنهم: “بدلاً من أن يقدموا لها المساعدة كانوا يلتقطون لها الصور وهي تحتضر في المقعد الخلفي”.
مجرد محاولة بسيطة لعقد مقابلة مع المحررين وموظفي القصر حول الحرب الدائرة على دخول الصحفيين إلى الزفاف، وسيتجلّى لك ببساطة مقدار التوتر الموجود.
ومن بين الأسباب ألا أحد يريد أن يلقي بتصريح يُحسب عليه أو يُنقل عنه.
وقال صحفي بارز عن الأميرين: “إنهما يكرهان الصحافة الإنكليزية، هذه الجملة ربما تلخص الوضع بشكل غير مخل”.
وأنكر الصحفي، الذي ناقش الأمر معنا بشرط عدم الكشف عن اسمه، أن يكون تقليل عدد الصحفيين المسموح لهم بالدخول قد أدى إلى تغطية سلبية، ولكنه أقر أن “هناك مقداراً من اللامبالاة لدى الأميرين ربما لم يعتد عليه الصحفيون، لأنهما شديدا الحساسية على نحو مخالفٍ لسائر أفراد الأسرة الملكية”.
وكان أحد المساعدين السابقين في القصر، والذي تحدث أيضاً بشرط عدم الكشف عن اسمه، على نفس القدر من الصرامة.
وقال إن محرري الصحافة الشعبية أحياناً يسعون إلى اختلاق قصص سلبية كنوع من الانتقام من عدم السماح لهم بالدخول، وأحياناً كنوع من الحفاظ على حالة الإثارة في التغطية.
وقال: “الأمر يشبه رسماً بيانياً لسعر أحد الأسهم: يصعد ويهبط، ويصعد ويهبط. ما تكرهه وسائل الإعلام هو الثبات على وتيرة واحدة.
وأضاف: “سعر السهم الخاص بقصة ميغان يتجه إلى الصعود كما هو واضح، وسيصل إلى ذروته، ثم لن يلبث أن ينفضّ الناس من حوله”.
ويمكن بالفعل أن نجد نقداً لاذعاً لميغان في صحيفة The Daily Mail البريطانية. وتضم القاعدة العريضة لقراء الصحيفة الشعبية النساء وكبار السن، إذ يزيد عمر ما يقرب من نصف قرائها عن 65، بما يعني أنها تصل إلى الفئة التي تحمل أكبر قدر من الدعم المخلص والمحافظ للأسرة الملكية.
وفي أحد أيام الأحد نشرت طبعة من الصحيفة مؤخراً ملحقاً منفصلاً يحمل عنوان “لماذا سينفجر زواج ميغان من الداخل؟”، ويدقق الملحق بتفصيل شخصي ساخر انفصال ميغان عن زوجها السابق، وتقرير ساخر عن جهود والدها لفقد وزنه قبيل الزفاف، وعمود فيه مقابلة من أخ وأخت غير شقيقين وغير مقربين لها يشكوان عدم دعوتهما إلى الزفاف، وملخص من صفحتين يتناول باستهزاء مسيرتها الفنية.
ونشرت صحيفة The Daily Mail في اليوم التالي مقابلة في الصفحة الأولى مع عم ميغان، الذي دائماً ما تبرّم من عدم دعوته إلى حفل الزفاف.
لماذا تبغض العائلة الملكية الصحافة الشعبية في بريطانيا؟
وهذا الأسلوب في التعامل تقليدٌ قديم تتبعه الصحافة الشعبية في بريطانيا. فحين كانت كيت ميدلتون تواعد الأمير ويليام، نقلت الصحف الشعبية عن شخصيات أرستقراطية لم تسمها استهزاءها بوالدة العروس، كارول، التي كانت تعمل مضيفة، باعتبارها أحد أبناء الطبقة المتوسطة الجشعين.
وذكرت أن بعض أصدقاء الأمير ويليام قد همهموا بعبارة “الأبواب تفتح باليد” حين دخلت السيدة ميدلتون إلى الغرفة، في إشارة إلى أنهم كانوا يلمزون تاريخها كمضيفة جوية.
ونقلت صحيفة The Mirror البريطانية عن “أحد المقربين من الأسرة الملكية” وصفه للسيدة ميدلتون بأنها “تحمل أخلاق الطبقة المتوسطة على نحو لا يُصدق، وتستخدم نفس ألفاظها”.
وخوفاً من الأمير هاري على الطريقة التي يمكن أن يؤثر بها هذا الأمر على السيدة ماركل، فقد كان منه موقف غير معتاد في أواخر العام 2016. فبمجرد خروج علاقتهما إلى النور في ذلك الوقت، ظهرت عناوين الصحف على شاكلة “Harry’s Girl Is (Almost) Straight Outta Compton” (من صحيفة The Daily Mail) و”Harry’s Girl on Porn Hub” (من صحيفة The Sun، التي نشرت اعتذاراً عنه فيما بعد).
وخروجاً عن تقاليد القصر، أصدر الأمير خطاباً غاضباً يفصل “موجة الإساءة والتحرش” من أفراد من الصحف، وكذلك “الإيحاءات العنصرية من كتاب المقالات”، و”التحيز الجنسي الفج والعنصرية على شبكات التواصل الاجتماعي ومقالات الرأي على شبكة الإنترنت”.
ويقول السيد أبيل الذي عمل لفترة وجيزة مديراً لتحرير صحيفة The Sun، أن القصر قدَّر، وأصاب، أن نجم الصحافة المطبوعة إلى أفول.
وقال أبيل، مؤلف الكتاب الجديد “How Britain Really Works: Understanding the Ideas and Institutions of a Nation”: “أفراد الأسرة الملكية يمسكون الآن بزمام الأمور جميعها، كما هو الحال مع معظم المشاهير. غير أن الأسرة الملكية أيضاً تقدر أهمية أن تظل على صلة مع قراء الصحف الشعبية”.
وأضاف أبيل: “الصحف الشعبية البريطانية المعروضة في السوق المتوسط هي أكثر الأمور تقليدية في بريطانيا، وهي تشيخ وتهمش مع الوقت بفعل وسائل التواصل الرقمية، وأصبحت مجازاً يستخدم للدلالة على نمط معين من التفكير في أفراد الأسرة الملكية: ولا وزن لها على الإطلاق إذا ما نحيت جانباً متابعتها للأسرة الملكية”.
ويشعر مصور The Sun السيد إدواردز بشيء من المرارة، لكونه أفنى مساره المهني لصالح الأسرة الملكية. ويشعر بشيء من الحنو على الأمير هاري تحديداً، إذ يذكره حين كان في الثانية عشرة في جنازة الأميرة ديانا.
يقول إدواردز: “حين مرَّ بي موكب الجنازة في ويستمنستر، لم يكن يمكن للمرء أن يسمع سوى قرع حوافر الخيل ونحيب المشيعين”.
ويضيف: “صاحت به إحدى النسوة “الرب معك يا هاري”، ولم يكن منه إلى أن واصل السير وهو مطأطئ الرأس. إنه أكثر أفراد الأسرة المالكة شعبية”. ويكمل إدواردز ليروي حال هاري حين خرج الأميران إلى باحة قصر كنسينغتون لمشاهدة الزهور: “رأيت وجهه ممتقعاً، ولم أستطع أن التقط الصورة لأنه كان يبدو في غاية الألم”.
وقال إدواردز: “يمكنني أن أقول لك إن كل ما أرغب فيه هو أن أراه سعيداً”.
ولكن فيما يخص الزفاف، قال إدواردز إنه لا يتوقع أن يسمح له بالوصول إلى أبعد مما يسمح للعامة، وأعلن أنه “يشعر بالضجر الحقيقي” من الأمر برمته”.
وقال: “ثمة احتكاك بسيط الآن، بيننا وبينهم. من رأيي أن الأميرين بدآ يسيطران على زمام الأمور”.
المصدر: عربي بوست