ألمانيامقالات

في الذكرى الـ 29 .. محطات على طريق الوحدة الألمانية وتكاليف ضخمة مقابل الحياة الكريمة

وحدة ألمانيا التي يحيي الألمان اليوم ذكراها الـ 29، كلفت أكثر من 2000 مليار يورو حتى الآن. غير أن القسم الأكبر لم يتم انفاقه على الاقتصاد لـ”بناء الشرق” وحسب، بل إن كثير من سكان غرب ألمانيا جنوا ثروات كبيرة.

اقتصاديا كانت إعادة توحيد ألمانيا تحديا هائلا، وكان هذا واضحا منذ البداية. لكن كم ستكلف تلك العملية؟ هذا أمر فاجأ الكثيرين ـ حتى ولو أنه لا توجد فاتورة نهائية رسمية حتى الآن. في عام 1990 أكدت الحكومة الألمانية الغربية أنه يمكن تمويل الوحدة دون رفع الضرائب. لكن تقديراتها كانت خاطئة. يبدو أن تأكيدها جاء فقط من باب عدم الرغبة بإثارة الفزع لدى الناس. وحسب تقديرات الخبراء تم تحويل نحو بليوني يورو أو 2000 مليار يورو صافية إلى الشرق في السنوات الـ 25 الأولى للوحدة.

وبهذا المبلغ الضخم تم تمويل “بناء الشرق” يعني تشييد الطرق وجوانب البنية التحتية الأخرى وترميم المدن وإزالة أضرار التلوث البيئي وتقديم حوافز استثمارية للشركات. وحتى ديون ألمانيا الديمقراطية سابقا بمبلغ حوالي 200 مليار يورو تحملتها الحكومة الألمانية. لكن الجزء الأكبر من تلك الأموال، حوالي 65 في المائة ذهب لدفع رواتب التقاعد والنفقات الاجتماعية مثل مساعدة العاطلين عن العمل ودعم الأطفال وخدمات اجتماعية أخرى. وبما أن عددا كبيرا من المصانع لم يعد قادرا على المنافسة في شرق البلاد، فكانت تلك الشركات مجبرة على الإغلاق بحيث أن واحدا من بين خمسة أشخاص لم يكن له عمل.

تكاليف ضخمة ـ فرص كبيرة

أمام هذه النفقات العامة الكبيرة توجد مكاسب خاصة. فاستدراك ما فات في الشرق جنى من وراءه الكثير من الغربيين ثروات. فالسيارات ومواد الاستهلاك والأثاث المنزلي ومستلزمات الترميم ومواد البناء، تقريبا جميع المنتجات أو الخدمات وجدت سوق بيع مغرية في شرق ألمانيا. وقد اشترى مستثمرون غربيون أحياء كاملة في المدن، وتمكن والحرفيون من اختيار العقود الخاصة بالطلبيات.

زوال تكاليف التقسيم

ومن خلال عائدات الضرائب استفادت الدولة أيضا من نشوة الاستهلاك في شرق البلاد. وفي آن واحد زالت تكاليف كبيرة نشأت بسبب التقسيم. ويأتي في مقدمتها دعم المناطق الحدودية ودعم برلين الغربية أو النفقات المتفق عليها ضمن اتفاقيات فيلي برانت مع شرق أوروبا. كما تمكنت ألمانيا من تخفيض نفقاتها على التسلح والدفاع إضافة إلى تكاليف الحفاظ والحماية على الحدود الألمانية الداخلية.

المال لم يكن في صلب الموضوع

على أية حال لم يلعب المال دورا محوريا في النقاش السياسي حول التكلفة الاقتصادية والجدوى منها. عوضا عن ذلك تم النظر إلى إعادة توحيد ألمانيا كفرصة تاريخية فريدة وجب استغلالها مهما كانت التكلفة.

في الذكرى الـ 29 .. محطات على طريق الوحدة الألمانية

نصب تذكاري يخلد الوحدة الألمانية تم نحته في مارينبورن بولاية ساكسونيا السفلى، وذلك بمناسبة الذكرى 29 لإعادة توحيد ألمانيا. ويرمز إلى تعاضد وتلاحم أبناء شرق وغرب ألمانيا كما صممه الفنان الفرنسي جوزيف كاستل. النصب يرتفع علوه إلى تسعة أمتار وتم تشييده في مارينبورن وهو موقع يرمز تاريخيا إلى نقطة عبور بين شرق وغرب ألمانيا.

في قلب مدينة كييل شمال ألمانيا، التي تقام بها احتفالات الذكرى 29 للوحدة الألمانية، تم تشييد بوابة نموذجية من بوابة براندنبورغ التاريخية ببرلين، وذلك كرمز لإعادة توحيد ألمانيا. ويقبل السياح الأجانب والمواطنون الألأمان بمئات الآلاف للمشاركة في الاحتفالات الرسمية والشعبية التي تقام كل عام بمدينة من مدن ألمانيا.

تقام مراسم الإحتفال الرسمية والشعبية بالذكرى 29 للوحدة الألمانية في مدينة كييل بولاية شيلسفيغ هولشتاين شمال البلاد. رئيس وزراء الولاية دانييل غونتر وأولف كامبفر عمدة كييل، يفتتحان الإحتفالات الشعبية بالمدينة التي يشارك فيها الرئيس فرانك فالتر شتاينماير والمستشارة أنغيلا ميركل.

في الذكرى 29 للوحدة الألمانية قال وزير الداخلية هورست زيهوفر إن على ألمانيا أن تحقق خلال عشر سنوات ظروف عيش متساوية لأبنائها في مختلف المناطق. وأضاف أن تحقيق هذا الهدف لا ينبغي أن يقتصر على مناطق الشرق بل على مختلف مناطق ألمانيا، عبر تحسين البنيات التحتية بكيفية تؤمن ظروف العيش والمدرسة والمستشفيات وفرص العمل للجميع.

في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989، أعلن عضو مكتب الحزب الحاكم بجمهورية ألمانيا الشرقية سابقا غونتر شابوسكي عن اعتماد قانون يسمح لمواطني ألمانيا الشرقية بالتنقل عبر النقاط الحدودية، ما أدى إلى اندفاع ألاف الألمان من برلين الشرقية إلى المعابر الحدودية، وتم استقبالهم في الجزء الغربي بحماس كبير. ذلك التصريح المثير للجدل أعتبر “زلة لسان”.

بعد أربعة أيام من سقوط الجدار، وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، اختار مجلس الشعب في ألمانيا الشرقية هانز مودرو رئيسا لمجلس الوزراء، بيد أنه فشل في ذلك.

28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 أعلن المستشار الألماني آنذاك هيلموت كول أمام ألبوندستاغ عن خطة من عشر نقاط كانت بمثابة خارطة طريق للوحدة الألمانية، وهو دفع وزير الخارجية الفرنسي رولان دوما إلى القول إن الألمان يظهرون “غطرسة متزايدة”.

في 3 كانون الأول/ ديسمبر 1989 و تحت ضغط التصويت تم تسليم المكتب السياسي واللجنة المركزية في ألمانيا الشرقية. كما استقال أيغون كرينز الذي حاول إنقاذ دولة ألمانيا الشرقية بتقديم تنازلات مدنية.

19 كانون الأول / ديسمبر المستشار الألماني هيلموت كول يخطب أمام عشرات الآلاف من الألمان الشرقيين، أمام أنقاض كنيسة “السيدة العذراء” في مدينة دريسدن، ويتحدث عن خطط وحدة الأمة سلميا، فألهب مشاعر الجماهير، وأثار إعجاب العالم.

في 15 كانون الثاني/ يناير 1990 سقطت معظم مقار جهاز أمن الدولة ” شتازي” في يد الحركة الشعبية، العديد من الوثائق أتلفت أو اختفت دون معرفة مصيرها قبل اقتحام المتظاهرين للمقار

18 آذار/ مارس 1990 أجريت انتخابات مجلس الشعب في ألمانيا الشرقية، وأستطاع هيلموت كول حشد الجماهير، حيث أدى ظهوره في مناطق التجمعات، إلى جذب حوالي مليون شخص في أحد اللقاءات الجماهيرية، ما أدى إلى فوز تحالف كول على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي كان يعتبر الحزب المفضل.

في بون تم التوقيع في 18 أيار/ مايو على وثيقة تضمنت استبدال عملة ألمانيا الشرقية. وفي 1. تموز/ يوليو اعتماد عملة المارك الألماني الغربي كعملة لكل ألمانيا.

15 و16 تموز/ يوليو 1990. مخاوف القيادة السوفيتية من ألمانيا موحدة في الناتو كانت تشكل إحدى أهم العقبات أمام توحد ألمانيا. لكن إقرار الناتو بتشكيل حلف دفاعي فقط ساهم في تهدئة موسكو، واستطاع هيلموت كول أن يحصل على موافقة الرئيس السوفيتي آنذاك غورباتشوف على عضوية ألمانيا الموحدة في الناتو.

23 آب/ أغسطس 1990: أعضاء برلمان ألمانيا الشرقية (مجلس الشعب) يقررون انضمام جمهورية ألمانيا الشرقية إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية.

12 أيلول/ سبتمبر 1990: في النهاية بقيت الأمور المالية، حيث عرضت ألمانيا على موسكو مبلغ 12 مليار مارك ألماني، تعويضا عن تكاليف سحب الجيش الأحمر من ألمانيا الشرقية، إلا أن غورباتشوف اعترض على المبلغ. كول بقي متصلبا، لكنه عرض إضافة ثلاثة مليارات مارك إلى المبلغ كقرض، ما ساهم في توقيع ما عرف باتفاق ” 2 زائد أربعة” بين الألمانيتين وكل الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا.

3 تشرين الأول/ أكتوبر 1990: وزراء خارجية القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية يتنازلون في نيويورك عن امتيازات تقسيم المناطق الألمانية، ومجلس الشعب في ألمانيا الشرقية ينعقد لآخر مرة ويعلن انسحاب ألمانيا الشرقية من معاهدة وارسو. الساعة 12 منتصف الليل أرتفع العلم الألماني قبالة مبنى “الرايشتاغ” ببرلين، حيث تجمع هناك قرابة 2 مليون ألماني، ليحتفلوا بالوحدة الألمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى