دولة اوروبية تتعقَّب محتالي الرعاية الاجتماعية بطائرات تجسُّس وتسجيلات سرِّية!
أجهزة تعقُّبٍ تعمل بنظام تحديد المواقع العالمي GPS موضوعة على السيارات، مُحقِّقون خاصون يتتبَّعون المُشتَبَه بهم إلى متجر البقالة، صورٌ تُلتَقَط سراً لأشخاصٍ خارجين لتناول الغداء مع أصدقائهم؛ وصفٌ كهذا يبدو كما لو كان مأخوذاً من فيلم جاسوسية، لكنَّها في الحقيقة أفعالٌ يقوم بها مَن يُدعَون بـ”مُحقِّقي الرعاية الاجتماعية” في سويسرا، حسب موقعDW الألماني.
في محاولةٍ للتصدي لعمليات الاحتيال المُشتَبَه بها في نظام الرعاية الاجتماعية بسويسرا، وخاصةً بين هؤلاء ممَّن يطلبون الحصول على فوائد، كونهم مِن ذوي الاحتياجات الخاصة، وافق برلمان البلاد، في شهر مارس/آذار الماضي، على قانونٍ يسمح بفرض مراقبة شاملة في حالات الاحتيال المُشتَبَه بها.
وأخبر ديمتري روغي موقع DW الألماني: “هذه إهانة لسلطة القانون في سويسرا”.
وروغي هوَ جزءٌ من مجتمعٍ صغير من المواطنين العاديين، ممَّن علموا بأمر القانون واتَّحدوا معاً لتدشين حملةٍ تطالب بأن يُطرَح التشريع لتصويتٍ شعبي.
تملك المجموعة وقتاً حتى بداية شهر يوليو/تموز، لجمع 50 ألف توقيع يدعم إقامة استفتاء حول الأمر قبل أن يُطرَح للاقتراع، وتلك مهمةٌ شاقة، لكنَّهم على استعدادٍ للقيام بها بمساعدة الإنترنت.
وأخبر دانييل غراف موقع DW: “إنَّ جمع التوقيعات إلكترونياً من أجل المبادرات والاستفتاءات يُغيِّر من قواعد اللعبة فيما يخص الديمقراطية المباشرة”. لم يؤسِّس غراف، وهو ناشطٌ إلكتروني، موقع المبادرات السياسية “Wecollect”، حيث قامت الحملة، فقط، بل إنَّه أيضاً أحد قادة حملة الاستفتاء.
علامَ ينص القانون؟
يُمكِّن القانون الذي يناهضه روغي وغراف كلاً من شركات التأمين التابعة للدولة وشركات التأمين الخاصة من استئجار مُحقِّقين خاصين، لبحث قضايا الاحتيال المشتبه بها.
وعليه يكون من المسموح قانوناً لهؤلاء المُحقِّقين تسجيل مقاطع صوتية أو مقاطع فيديو، والتقاط صورٍ للشخص الخاضع للتحقيق دون الحصول على إذنٍ من محكمة. وفي حدود القانون، فإنَّ استخدام الطائرات الآلية سيكون مسموحاً كذلك، دون الحصول على إذن محكمة حتى.
ومع ذلك، فإنَّ شركات التأمين ستضطر لتأمين إذنٍ من المحكمة لتركيب نظام تعقُّبٍ يعمل بنظام تحديد الموقع العالمي (جي بي إس) على سيارات الذين يحقِّقون بأمرهم.
ووفقاً للصحيفة السويسرية TagesWoche، فإنَّ شركة تأمين ذوي الاحتياجات الخاصة التابعة للدولة السويسرية (IV) تستخدم مُحقِّقي الرعاية الاجتماعية بوتيرةٍ أعلى من شركات التأمين الخاصة. وفي مختلف أرجاء سويسرا، راقبت شركة تأمين ذوي الاحتياجات الخاصة 270 حالة احتيالٍ مشتبه بها، باستخدام مُحقِّقين، وكشفت عن حالات إساءة الاستغلال في ثلثيّ الحالات المذكورة.
يجادل مؤيدو القانون أنَّ هذا يُوفِّر الملايين سنوياً، بالحد من حالات إساءة الاستغلال داخل النظام، وأنَّ المخاوف المتعلِّقة بالمراقبة واسعة الانتشار مبالغ فيها، بينما يجادل المعارضون بأنَّ هذا يبلغ حدَّ انتهاكٍ بالغ للخصوصية.
المواطنون يتَّحدون معاً
إنَّ حملة الاستفتاء ضد القانون هيَ مبادرة فريدة في كونها لم تُطلَق من قبل حزبٍ سياسي، أو اتِّحاد، أو منظمة غير حكومية، كما يكون الأمر عادةً، بل مجموعة صغيرة من الناس ممَّن خشوا أثر قانونٍ كهذا.
انضمَّ للناشط السياسي روغي ومؤسس موقع “Webcollect” غراف المؤلفة سيبيل بيرغ، وخبير تكنولوجيا المعلومات هيرناني ماركيز، والمحامي فيليب ستولكين.
ما وحَّد الشركاء المتفاوتين في ظاهرهم كان شيئين: معارضتهم لقانون مراقبة الرعاية الاجتماعية، وموقع تويتر.
وأخبر روغي موقع DW: “وضعنا خطَّة وحدَّدنا هدفاً، إذا تعهَّد 5 آلاف شخص أنَّهم سيجمعون التوقيعات فإنَّنا سندشِّن حملة الاستفتاء رسمياً. ومن ثَم غمرنا القبول والدعم، من كُل الجهات”.
لا يستهدف القانون متلقّي فوائد الاحتياجات الخاصة فقط، بل إنَّه يشمل التأمين الصحي، وتأمين الحوادث، وتأمين البطالة أيضاً. وإذ إنَّ جميع السويسريين تقريباً يدفعون المال في هذا النظام ويتلقُّون نوعاً أو آخر من الفوائد التأمينية، فإنَّ جميع المقيمين بسويسرا سيتأثرون بالقانون.
وأضاف روغي: “إنَّ الأمر في النهاية يتعلَّق بسؤال ما إن كنا نريد الحياة في مجتمعٍ يسود فيه انعدام الثقة”.
تغيير النظام
مع أنَّ الدعم بدأ يتدفَّق من جانب الأحزاب السياسية الكبرى، فقد آذنَ قادة الحملة الشعبيين بالفعل ببداية تبدُّلٍ هائل في السياسة السويسرية.
وفي الفترة التي امتدت لنحو 3 أسابيع منذ إطلاق حملتهم، تعهَّد أكثر من 10 آلاف شخصٍ بدعمهم إلكترونياً، من خلال تحميل ملف بصيغة pdf يحتوي على استمارة التوقيع المطلوبة، وطباعته، ثم إرساله بالبريد.
وقال روغي: “أعتقد أنَّه من المهم أن ترى سويسرا أنَّ مجموعةً صغيرة بلا مال أو أي شيء بإمكانها المطالبة بتغيير السياسة السويسرية”.
لا يظنُّ روغي أنَّ نجاح الحملات إلكترونياً سيعني فجأةً نشوء المزيد من الاستفتاءات المعروضة من قبل مواطنين، لأنَّ الأمر ما زال يتطلَّب تعبئة جماعية على أرض الواقع وتمويلاً كبيراً. ومع هذا يظل الدعم الذي حظيت به حملتهم علامة أملٍ بالنسبة للفريق، بأنَّ نظام الديمقراطية المباشرة في سويسرا ناجح.
وقال: “قُدِّمت فكرة الاستفتاء حتى تتمكن الأقليات والمجموعات التي لا تحظى بتمثيلٍ كافٍ من الدفاع عن نفسها، ضد قرارات البرلمان. وإن حدث هذا بشكلٍ مُتكرِّر، فهذا يدل على شيء واحد، هوَ أنَّ الديمقراطية السويسرية حية. وهذا شيءٌ جيد”.
عربي بوست