هولندا

النص الكامل باللغة العربية والفيديو لخطاب الملك ويليم ألكسندر بمناسبة عيد الميلاد لعام 2023

“السلام على الأرض” يعد هذا المفهوم جوهر عيد الميلاد. نحن نحتفل بميلاد طفل. بداية جديدة لنا جميعاً. يصعب تصديق الأحداث التي تدور في العالم، ففي السابق كانت الحروب محدودة والملائكة ترنم، أما الآن الناس يتصارعون بشدة. لقد تركت هذه الأحداث جروحًا عميقة، ويصعب الوصول إلى السلام والمصالحة كما السابق.

الحرب في إسرائيل وغزة، بالإضافة إلى أوكرانيا وأفريقيا ومناطق أخرى في العالم، توّلد موجات صدمة تصل إلينا هنا أيضًا. لا يمكننا أن نحمي أنفسنا من هذا العنف. الصراعات هناك تؤثر على حالتنا هنا وتثير الخوف لدى الكثيرين.
ثمة الكثير من الأمور المحيرة والتي تبعدنا عن الشعور بالاستقرار، ويشعر الكثيرون بفقدان التواصل مع بعضهم البعض. في بعض الأحيان، لا يمكن فهم ما يريده الآخرين. نحن قريبون جدًا ولكن في الوقت ذاته غرباء عن بعضنا البعض.

ما الذي يمكننا فعله بأنفسنا حيال هذا؟ عيد الميلاد هو وقت مثالي للتأمل والتفكير. في الواقع يجب أن نبدأ بالتساؤل حول معنى “السلام على الأرض”. هل يتعلق الأمر بالانسجام؟ أم يجب إنهاء الصراع والخلاف؟ أعتقد أنه ليس كذلك. السلام ليس راحة ولا سكينة، بل هو القدرة على التحكم في الصراعات وإدارتها. الاختلافات جزء لا يتجزأ منه، فهي تبقينا مستيقظين وتضمن مناقشة القضايا المهمة وإيجاد حلول جديدة.

لا يوجد تقدم بدون تناقضات، والطريقة التي نتعامل بها في هولندا واضحة، ثمة قواعد تنطبق على الجميع، ونحن كهولنديين لدينا نظام قانوني ديمقراطي يمنحنا الاستقرار والأمان. التمييز بأي شكل من الأشكال غير مقبول. تخويف الناس وتهديدهم وإهانتهم أمور خارجة عن القانون، ومن يختار أن يفعل ذلك فإنه يحط من شأنه ويضر بمجتمعنا.

وإذا كانت المشاكل الكبيرة التي يواجهها العالم تتجاوز قدرتنا، يمكننا على الأقل أن نضمن العيش معًا بسلام في بلدنا ونعمل على حل الخلافات. هذا يتطلب تغييرًا في كيفية تفاعلنا مع بعضنا البعض. عندما نشعر بالغضب تجاه الأمور التي تؤثر علينا، نسارع إلى التفكير: “من هو المخطئ؟ من هو المذنب؟” ولكن الخطأ هو جزء من الطبيعة البشرية. في الواقع، ارتكاب الأخطاء والتعلم منها يجعلنا أشخاصًا أفضل.

من المعتاد في مجال الطيران، عدم إخفاء الأخطاء، بل مشاركتها. نحن كطيارين نقوم بالإبلاغ عن الحوادث وسوء الفهم الذي نواجهه، ويتم دمج ذلك في التدريب والتعليم لتحسين أدائنا. أجد أن هذا مفيدًا بشكل كبير، حيث يساعدنا على أن نصبح أفضل ويجعل الطيران أكثر أمانًا.

ثقافة الانتقام تجعل بيئتنا عدائية وتعوقنا عن إيجاد الحلول، واذا أردنا التقدم وإيجاد الحلول معًا، فيجب أن نتجاوز هذه الثقافة.

لنجعل عيد الميلاد هذا بداية جديدة، حيث نتقبل التنوع البشري ونفهم الشكوك والمخاوف التي قد يواجهها الآخرون. دعونا نتجاوز الحكم القاسي ونتعامل مع بعضنا برقة وتفهم.

لا يوجد بلد هولندي آخر، نحن نبني هذا البلد معًا، ولا يزال واحدًا من أفضل الأماكن في العالم، وسيبقى هكذا، فأنا أؤمن بهذا. أنا مقتنع بأن قوتنا تكمن في تقبل التناقضات، وهذا يعني أن تكون شجاعًا للاستماع إلى الآراء المختلفة، وبذلك ستمنح الآخرين الشجاعة في المطالبة بحقوقهم، والفرصة للتعبير.

في أعقاب الأحداث التي وقعت في إسرائيل وغزة، تحدثت أنا وزوجتي إلى مجموعة من الهولنديين ذوي الخلفيات المتنوعة حول كيفية الحفاظ على السلام في بلدنا. لا زلتُ أشعر بألم ومخاوف هؤلاء الناس، ولكن في الوقت نفسه، أُلهمت بقوتهم لمواصلة محاولة الوصول إلى بعضهم البعض.
قال أحد ضيوفنا، الذي فقد والده في الحرب العالمية الثانية: “الصلاة لا تكفي، من أجل السلام عليك أن تعمل بجد”.
عندما أنظر إلى الوراء إلى السنوات العشر التي كنت فيها ملكاً لكم، كان هذا هو العامل الثابت: “الأشخاص الذين، استناداً إلى مُثُلهم أو معتقداتهم الشخصية، ملتزمون بسد التناقضات والمساهمة بشيء إيجابي للمجتمع، يجعل المستقبل صالحًا للعيش”.

في خطاب تنصيبي، صرحت بأن “الدهاء وسعة الحيلة والاجتهاد والانفتاح كانت نقاط قوتنا لعدة قرون”. وبالرغم من التنوع الكبير واختلاف المعتقدات والأحلام، فإن مملكة هولندا تعد مكانًا للجميع حيث يعبرون عن أفكارهم ويساهمون في بناء المستقبل، وهناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا نتطلع إلى المستقبل بأمل وثقة.

أتمنى لكم جميعًا أينما كنتم، ومهما كانت ظروفكم الشخصية، عيدًا مباركًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى