ألمانيا تفتح أبوابها أمام العمال المهرة من جميع أنحاء العالم، بشرط إتقان اللغة
عندما تفكر في ألمانيا والهجرة فسوف يتبادر إلى ذهنك اللاجئون، على الأرجح. لكنَّ أصحاب الأعمال الألمان الذين يحتاجون بشدةٍ العمالة يضعون أعينهم على نوعٍ مختلف من المهاجرين.
مجلة The Economist البريطانية قالت إنه بعد مرور عقدٍ من النمو الاقتصادي، وصلت البطالة إلى أقل معدلاتها، وزادت فرص العمل إلى أقصاها، منذ إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990.
ويشكو نحو ثلثي الشركات من قلة العمالة المدرَّبة. ولهذا السبب بدأت ألمانيا توجيه أنظارها إلى الخارج.
محتوى المقال
لماذا تريد ألمانيا جلب العمالة من خارج الاتحاد الأوروبي؟
يشير النمو المتواضع للأجور بألمانيا إلى عدم انتشار نقص العمالة. لكنَّ جولة في بادن فورتمبيرغ، معقل الصناعة الألمانية حيث يبلغ معدل البطالة 3.1%، كشفت عن بعض الشكوك بين أصحاب العمل.
فيَشكُو بيتر كوفمان، الذي يدير شركة لبناء البيوت في قرية أوبرستاديون بالقرب من أولم، قائلاً: «إذا أعلنت في الصحيفة، لا تحصل على أي ردود!». يعتقد بيتر أنَّه يمكنه زيادة عدد العمال في شركته من 100 أو 150 إذا وجد مزيداً من البنَّائين والنجارين.
وتشكو خدمات مثل رعاية كبار السن والسياحة من نقص العمال. وتقول نيكول هوفميستر كراوت، وزيرة الاقتصاد في بادن فورتمبيرغ، إنَّ قلة العمالة تعطل النمو. وتقدُّم سن العمالة الألمانية يجعل من هذا مشكلةً كبيرة.
ونتيجةً لهذا، يناقش البرلمانيون الألمان الآن أول محاولة للبلاد لتنظيم هجرة العمال شبه المهرة من خارج الاتحاد الأوروبي.
إذا أجازوا هذا الأمر، فإنَّ «قانون هجرة العمال المهرة» ستمتد قواعده، التي تنطبق على الخريجين الأجانب، بدايةً من عام 2020، لتشمل العمال المهنيين المدرَّبين. لن تفضل الشركات مواطني الاتحاد الأوروبي في هذه الوظائف بعد الآن، وهو ما يعني أنَّه يمكنهم توظيف المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي ما داموا مدرَّبين وفقاً للمعايير الألمانية ويمكنهم التحدث بالألمانية.
وإلغاء القوانين المفروضة على استقدام عمالة بعينها
ومن المتوقع إلغاء القيود المفروضة على الهجرة والتي لا تسمح باستقدام العمالة إلا في صناعاتٍ بعينها. وسيُسمح لبعض الأجانب بالدخول إلى ألمانيا وقضاء 6 أشهر، للبحث عن عمل أو عقد تدريب، لكن بشروط.
هذا القانون محور تسوية صعبة المراس بين «الائتلاف الكبير» في ألمانيا بين تياري وسط اليمين ووسط اليسار. ويصفه هيوبرتوس هيل، وزير القوى العاملة، بأنَّه «علامة فارقة» في التاريخ الألماني.
لكن بصياغته الحالية، لن يحل هذا القانون كثيراً من مشاكل أصحاب العمل. فمن الصعب جداً على الأجانب إثبات أنَّهم يتمتعون بالمهارات المكافئة لتلك التي تُدرَّس في ألمانيا.
ففي ظل نظام «التعليم المزدوج» الألماني، يتدرب نحو نصف المتسربين من التعليم على أداء الوظائف، في واحدةٍ من بين 330 مهنة منظَّمة، بدايةً من تجليد الكتب، وحتى صناعة مقياس الحرارة.
وهذا النظام المترسخ عميقاً في التاريخ الألماني لا يوجد ما يقابله بأي مكانٍ خارج الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدركه اللاجئون السوريون الذين وصلوا إلى ألمانيا ولديهم خبرةٌ في الخبز وقيادة الشاحنات، من خلال تجاربهم الصعبة.
وهو ما من شأنه أن يساعد على تلبية مطالب الشركات
ولذلك تقدر الحكومة أنَّ القانون سيجتذب نحو 25 ألف شخصٍ سنوياً فقط إلى ألمانيا، في البداية على الأقل. ويعتقد راينر دولجر، من تكتل Gesamtmetall لأصحاب العمل في المجال الهندسي، أنَّ هذا القانون سيساعد في تلبية عُشر الوظائف الخالية لدى أعضاء التكتل، على أحسن تقدير.
ويقول روديجر فابلر، من معهد أبحاث التوظيف في شتوتغارت: «طالما لم نتطرق إلى سؤال الاعتراف بالمؤهلات الأجنبية، فلن نرى تغيراً جوهرياً».
وكشف فيليز بولات، من حزب الخضر المعارض، مسحةً من العداء تجاه الأجانب ظهرت في الاتجاه إلى مقاومة إنشاء نظامٍ أكثر سخاءً.
فبالطبع ما زال البعض في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم متعلقين بأسطورة أنَّ ألمانيا ليست «بلد هجرة»، حتى في الوقت الذي يمتلك فيه ربع السكان خلفيةً متعلقة بالهجرة، وحصول أكثر من 100 ألف شخص سنوياً على الجنسية.
ومنذ 20 عاماً، شن سياسو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي حملةً ضد خطة توظيف عمال في مجال تكنولوجيا المعلومات، تحت شعار «Kinder statt Inder!» أي «الأطفال أفضل من الهنود!».
وهذه المخاوف الدائمة لدى المحافظين من تضخُّم ميزانية الرعاية بسبب المهاجرين، تنعكس في الشروط التقييدية الكثيرة التي يتضمنها مشروع القانون.
لكن هذا لا يمنع من وجود مخاوف، خاصة عند المحافظين
عُلِّق هذا القانون أيضاً في المناخ السياسي لعام 2015-2016، عندما دخل أكثر من مليون طالب لجوء إلى ألمانيا. وما زال يصل إلى نحو 10 أو 15 ألفاً كل شهر، وقليلٌ ممن يُؤمرون بالرحيل يرحلون بالفعل.
وتستبعد التسوية التي قررها شركاء الائتلاف، المهاجرين الذين «يغيّرون مسارهم» من اللجوء إلى العمل، رغم أن بعض من وجدوا وظيفة أو تدريباً سيكونون قادرين على البقاء، بالإضافة إلى أن قانون العمال المهرة يصحبه مشروع قانون جدلي لتشديد قوانين الترحيل.
ويقول لارس كاستيلوتشي، وهو نائب ديمقراطي اشتراكي يدعم القانون: «المزج بين (اللجوء والهجرة) ستنتج عنه مشاكل». ويضيف أنَّ قانون العمال المهرة يمكن تعديله إذا أثبت عدم كفاءته يوماً ما.
ويقترح توماس باير، رئيس مجلس خبراء المؤسسات الألمانية حول الاندماج والهجرة، توسيع الطرق أمام المهاجرين المحتملين، لتشمل تحدُّث الألمانية بطلاقة، أو وجود سابق خبرة للعمل في ألمانيا. لكن حتى تقل أعداد طالبي اللجوء، سيكون من الصعب تسهيل القواعد التنظيمية للعمال المهاجرين.
وفي الوقت الحالي، سيكون على الشركات إدارة القانون الجديد، وعلى تكتلات أصحاب العمل الوصول إلى مجموعاتٍ مختلفة من أنظمة التدريب الأجنبية وفهمها، وستحتاج السفارات مزيداً من الموارد.
وبالنسبة للعمال، سيواجهون عوائق إدارية
فعمال البلقان الغربية، الذين يتمتعون بالفعل بتصريحٍ خاص لدخول ألمانيا، يستغرقون أحياناً مدةً تصل إلى عام، في انتظار الرد على الطلبات التي قدموها.
ويقول أوليفر ماسن، رئيس قسم الموارد البشرية بشركة Trumpf، التي تعمل في مجال تصنيع الآلات والليزر بالقرب من شتوتغارت، إنَّ الشركة استغرقت 11 شهراً في مرةٍ ما، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من اليوروهات، في محاولةٍ للحصول على تأشيرةٍ لزميلٍ هندي مؤهل كان يريد الانتقال إلى ألمانيا.
ورغم المناشدات التي يوجهها أصحاب العمل، قد لا ينجح القانون الجديد في النهاية، إذ يشير فابلر إلى أنَّ نمو فرص العمل في المهن التي تتطلب مهاراتٍ متوسطة ويغطيها القانون أبطأ من النمو في الوظائف منخفضة وعالية المهارة، وأنَّ مثل هذه الأدوار من الممكن استبدالها بالآلات في وقتٍ قريب.
لكنَّ القانون يحمل قيمةً رمزية قد نغفل عنها. فيقول باير إنَّه يطرح افتراضاً بأنَّ المهاجرين لديهم الحق في البحث عن العمل بألمانيا، مهما كانت المحاذير. وما كان واضحاً منذ وقتٍ طويل بالواقع، سيُكتب أخيراً في قانون: وهو أنَّ ألمانيا بلد هجرة. ويقول باير: «قد لا يعتقد أصحاب العمل أنَّ هذا شيء كبير. لكنِّي أعتقد ذلك».
المصدر٬ عربي بوست