وقعت منذ 20 عاماً في هولندا، وأكثر من 17 ألف مشتبهه به!.. العثور على مرتكب جريمة قتل واغتصاب في القرن الماضي بنصيحة ذهبية
قضية غريبة تعود إلى 20 عاماً مضت في هولندا، فكت طلاسمها الأسبوع الماضي بعدما اطلع المحققون على 17500 عينة من الحمض النووي تعود للأشخاص المشتبه فيهم حتى عثر على الفاعل الحقيقي.
الشرطة الهولندية أجرت تحقيقات على مدى 20 عاماً في قضية اغتصاب وقتل طالب يبلغ من العمر 11 عاماً، ووضعت وسائل الإعلام الهولندية تسلسلاً زمنياً للتقلبات والمنعطفات التي شهدتها القضية، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
والآن، بعد تحقيقات شملت تصنيفاً للأحماض النووية شارك فيه 17,500 شخص مشاركة تطوعية، أُلقي القبض على مشتبه فيه في إسبانيا.
قصة الواقعة الغريبة
شارك الصبي نيكي فيرستابن في معسكر صيفي أُقيم في محميةٍ طبيعية جنوبي هولندا عام 1998. وفي ليلةٍ من ليالي أغسطس/آب من ذلك العام، غادر الصبي خيمته ولم يعد مرة أخرى. عُثر على جثة الصبي، وكان يرتدي بيجامته عاري القدمين في اليوم التالي مُخبَّأً في أحراش غابة صنوبرية كثيفة تبعد مسافة ميل عن المعسكر. وقد اغتُصب الصبي وقُتل.
كانت عينة الحمض النووي التي اكتُشفت تعود إلى ذَكَر. لكن العينات التي لدى قاعدة البيانات الجنائية الهولندية والدولية لم تطابقها. وكذلك لم تتطابق معها مئات العينات التي استُخرجت في البداية من الرجال الذين كانوا يعيشون بالقرب من المحمية الطبيعية ومن الرجال الذين تعاملوا مع نيكي أو مع المعسكر.
مُرِّر قانونٌ هولندي في عام 2012 يسمح بممارسةٍ تُعرَف بتصنيفات الأحماض النووية العائلية، التي تضمَّنَت الحصول على عينات حمض نووي من أشخاص قد يُحتَمَل أن يكونوا أقارب لأحد المشتبهين، استناداً إلى الملفات الشخصية العائلية والجيوغرافية.
تقول نيكي يانسن، وهي مُتحدِّثة باسم معهد الطب الشرعي الهولندي، إن الأمل، الذي قاد إلى إجراء التحليل، أنه «إذا أظهر الحمض النووي لأي مُتطوِّع أي علاقة عائلية للحمض النووي للمشتبه فيه، يمكن للمُحقِّقين تحديد هوية المشتبه فيه عن طريق تحليل شجرة العائلة للمُتطوِّع».
قالت يانسن إن التقنية أدت منذ ذلك الحين إلى حلِّ قضيتين كبيرتين ارتُكِبَت فيهما جرائم قتل بدم بارد في هولندا.
التقنية حلت اللغز
وبحسب الصحيفة الأميركية، فتحت هذه التقنية أيضاً الأبواب أمام التحقيق في مقتل نيكي فيرستابن. في عام 2013، أَمَرَ مدعٍ عام ببدء تحقيقات جديدة في عينات حمض نووي استناداً إلى الحمض النووي الذي عُثر عليه في ملابس نيكي: وهي العينات التي جُمِعَت تطوُّعياً من رجال يصل عددهم إلى 21,500 رجل هولندي استناداً إلى التصنيفات العائلية، والعينات الإلزامية لـ1500 رجل ذوي ارتباط خاص بهذه القضية.
وقالت جوديث فيربان، وهي مُتحدِّثة باسم الشرطة المحلية في ليمبورخ، وهو الإقليم الهولندي الواقع في أقصى الجنوب، حيث قُتِلَ نيكي: «كانت هذه أكبر تحقيقات حمض نووي في هولندا حتى الآن، ونحن فخورون بها».
وفي نهاية المطاف تطوَّع 17,500 رجل لإجراء مسح خلايا من داخل أفواههم لإمداد الحمض النووي من أجل التحقيقات. ولم تطابق أي منها العينة الأساسية.
بيد أن رجلاً ذا ارتباط خاص بالقضية -جوس بريتش، وهو هولندي بالغ من العمر 55 عاماً لا يُعرَف عنه شيئاً منذ أبريل/نيسان الماضي- لم يظهر لتقديم عينته الإلزامية هذا العام، مما دفع المُحقِّقين لإجراء بحثٍ أكثر تعمُّقاً.
كان بريتش يعيش مع أمه على بعد 10 أميال من موقع الجريمة أثناء الفترة التي قُتِلَ فيها الصبي. وقد ذُكِرَ اسم بريتش، وهو رجل كشافة سابق يهوى الحياة البرية ومنظم معسكرات للأطفال، في قضية اعتداء جنسي تعود إلى عام 1985، حسبما قال المُحقِّقون. وفي الأيام التي أعقبت العثور على جثة نيكي، شوهِدَ بريتش يسير بالقرب من موقع المعسكر واستجوبته الشرطة، غير أنه لم يُلق القبض عليه أو يُدرَج اسمه رسمياً ضمن المشتبه فيهم قط.
ولكن عندما حصلت الشرطة على عينات حمض نووي من أفراد عائلة بريتش ومن ملابسه القديمة في منزل أمه في إطار التحقيقات الجديدة، وجلبت الحمض النووي من تحقيقٍ موازٍ في اختفائه، تطابقت العينات الثلاث للأحماض النووية مع الحمض النووي المكتشف على بيجامة نيكي عام 1998.
العثور على الفاعل الحقيقي بنصيحة ذهبية
وفي الأسبوع الماضي، نشر المُحقِّقون هوية المشتبه فيه. وفي غضون أيام، قادتهم «نصيحة ذهبية» إلى منزل مهجور فوق تل بالقرب من كاستيلتيرسول، وهي بلدةٌ صغيرة في ضواحي برشلونة، حسبما قالت فريبان، المُتحدِّثة باسم الشرطة المحلية. ألقت الشرطة الإسبانية القبض على بريتش يوم الأحد 26 أغسطس/آب.
وقالت السلطات الإسبانية إنهم ألقوا القبض عليه بينما كان يقطع الأخشاب في أحد الحقول. وقالت الشرطة إن من بين أغراضه الشخصية كان هناك أدوات صيد أسماك، وكتاب حول النباتات البرية القابلة للأكل، وطعام مجفف، وأحذية، ومعدات لصعود الجبال، وبطاريات.
وبريتش هو عضوٌ في نادٍ هولندي للعيش في البرية، حيث يتشارك الأعضاء الخبرات حول العيش في البرية. وقال المُحقِّقون إنه منذ أن فُقِدَ أثره في أبريل/نيسان، عاش بريتش في مآوٍ في الهواء الطلق وفي بيوتٍ مهجورة حول أوروبا الغربية.
وقال مكتب المدعي العام الهولندي إنه يتوقَّع ترحيل بريتش قريباً؛ إذ يقول المسؤولون إنه إذا تعاون سيكون الترحيل خلال أسبوع. فقد مَثُل يوم الإثنين خلال مؤتمر عبر الفيديو أمام قاضية إسبانية محلية تُدعى كارمن لاميلا، أمرت باحتجازه بدون كفالة ريثما يجري تسليمه إلى السلطات الهولندية. وفي تصريحه داخل قاعة المحكمة، لم يشر بريتش إلى أنه سيطعَن على ترحيله.
وفي حديثها إلى الصحافيين يوم الإثنين 27 أغسطس/آب، توجَّهت والدة نيكي، بيرتي فيرستابن، بالشكر إلى السلطات الهولندية، والمُحقِّقين، ووسائل الإعلام، وتوجَّهت بشكرٍ خاص إلى صحفي جريمة هولندي، وهو بيتر دي فريس، لاستمراره في طرح الأسئلة حول القضية على مدار الأعوام.
قالت بيرتي وهي تبكي بعد إلقاء القبض على بريتش: «لا أجرؤ على ذكر الأسماء خوفاً من أن أنسى أحداً، ولكن جميع الأشخاص الذين قدَّموا عينات الحمض النووي الخاصة بهم، والذين بحثوا في الأمر وأجروا اتصالاتهم للوصول إليه، أنا ممتنةٌ جداً لهم. الآن، أتمنى أن يتحدَّث كي نحصل على إجاباتٍ لتساؤلاتنا».