هولندا

تبناها زوجان هولنديان قبل عقود، ثم اكتشفت أنها لبنانية فعادت لتبحث عن جذروها.. فهل تجد والدتها؟

لا تتذكر الشابة نينكي بورغراف يوم مغادرتها لبنان؛ كانت رضيعة حينما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية، وتبناها زوجان من هولندا قبل عقود.

علمت لاحقاً بأصولها اللبنانية، فقررت العودة والبحث عن والديها البيولوجيين. لكنها اكتشفت حقائق مخيفة لعالم التبني غير القانوني في لبنان، فيما ترفض السيدة الوحيدة التي تملك الإجاباتالإفصاح عن أي معلومة!

نينكي لم تلق هذا المصير وحدها، إذ اكتشفت أنها واحدة من مئات اللبنانيين الذين خرجوا من بلادهم بالطريقة نفسها، مقابل مبالغ مالية كبيرة وعبر وسائل غير شرعية.

تشعر نينكي بمشاعر مختلطة حيال لبنان؛ فهي تحبه من ناحية، وتشعر بعدم الثقة بالسكان من ناحية أخرى.

لا تعرف شيئاً عن والديها، وفيما إذا كانا على قيد الحياة. كل ما توصلت إليه هو أنه لديها جذور فلسطينية، مخمنةً بأن لديها جذوراً لبنانية أيضاً.

كذلك هو حال ماروشكا شاوتن، التي تم تبنيها في لبنان في العام 1974 – قبل اندلاع الحرب الأهلية – من قبل عائلة هولندية أيضاً.

لا تعرف أيضاً أي معلومات عن عائلتها البيولوجية، ولا حتى عن كنيتها الأصلية.

محتوى المقال

غياب القانون المدني ومنع المسلمين فسح المجال التبني غير الشرعي

توضح نينكي لـ «عربي بوست» أن شقيق والدها بالتبني، تبنى أطفالاً في ثمانينيات القرن الماضي من لبنان أيضاً.

فقرر والداها بالتبني أن يحذوا حذوه، لعدم قدرتهما على الإنجاب.

تواصل والداها مع السيدة الوسيطة نفسها، لتبنيها، وقاما بالكثير من الإجراءات القانونية لدى السلطات الهولندية لإتمام ذلك.

اصطدما بعدم وجود قانون مدني في لبنان للتبني، وعدم جواز التبني بالنسبة للمسلمين، فاستعانا في العام 1983 بكنيسة أرمنية لإتمام العملية عبرها.

وفي ظل الزعم حينها بأن والديها البيولوجيين مجهولان، تم تسجيلها على أنها طفلة للعائلة الهولندية التي تبنتها.

كان عمرها حينذاك عدة أشهر فحسب، كما هو حال أغلبية الذين تم تبنيهم حينها.

 

الأطفال مُنحوا أسماء هولندية للخروج من لبنان

وبينت الشابة الثلاثينية أن والديها بالتبني ذهبا إلى لبنان 3 مرات، إذ قاما بتبني طفلين أيضاً غيرها في سبعينيات القرن الماضي، ثم زارا لبنان سويةً في العام 1996 للتعرف على البلد الذي تقول إنه منحها جنسيته.

بدورها تقول شاوتن إن والديها بالتبني اضطرا لدفع الكثير من المال لإتمام العملية التي لم تكن قانونية، والخروج من لبنان.

تم منحها اسماً وكنيةً هولندية فوراً، لافتة إلى أنها اكتشفت أنها ما زالت تحمل الجنسية اللبنانية، عندما زارت البلاد قبل أعوام.

ورغم أن والديها أبلاغها بأنهما تبنياها قبل أن تتجاوز الأسبوعين من العمر، فإنها تبدي تشككها حيال ذلك.

300 طفل تم تبينهم في تلك الفترة من ذات المستشفى

وكشفت شاوتن أن قرابة 300 طفل، تم تبنيهم من لبنان متواجدون في هولندا حالياً.

وأوضحت أنهم يتواصلون مع بعضهم البعض، ليقارنوا ما لديهم من وثائق. اتضح لهم أنها صادرة من نفس المستشفى وتحمل اسم نفس الطبيب والشهود ونفس الفترة.

لذلك تعتقد أن ما ورد في الوثيقة التي تحملها عن تاريخ ميلادها مزوّر.

سيدة من عائلة «الشـ…» هي القاسم المشترك

تحدثت شاوتن عن زوجين من عائلة «الشـ …» كانا يشاركان في تنظيم عمليات التبني في لبنان مع العوائل الهولندية.

أما السيدة «الشـ …»، التي انفصلت عن زوجها لاحقاً (وأصبحت مسنة جداً في الأثناء)، تعيش حالياً في هولندا.

تمتنع السيدة عن الإفصاح عن أي معلومات تخص العوائل البيولوجية للأطفال الذين ساعدت وطليقها في تبنيهم.

لذا قرر البعض منهم البحث بنفسه في لبنان.

يتجهون للبلدان التي تشهد حروباً ليتبنوا بشكل أسرع

زينة علوش المديرة التنفيذية لجمعية “بدائل” في لبنان، تساعد المتبنين في العثور على أهلهم.

وعن الطرق التي ما زالت ممارسة لإتمام التبني في المنطقة العربية في ظل عدم وجود قوانين تنظم التبني، أوضحت علوش لـ ”عربي بوست” أنها تتم عبر قوانين صادرة عن محاكم روحية مسيحية، أو عبر مؤسسات إسلامية تسهل ذلك عبر أوراق مزورة.

يتم إخفاء الاسم الحقيقي للأم الوالدة والاستعاضة عنه باسم مختلف، وتاريخ ميلاد مغلوط.

واستغربت كيف تم إصدار بعض الوثائق الشخصية كجواز السفر للأطفال المتبنين خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية باسم العائلة المتبنية، والتي كانت أجنبية عادةً.

وقالت علوش إن هناك عوائل أوروبية تفضل عدم انتظار دورها في بلدانها للحصول على طفل لتبنيه، فتتوجه عوضاً عن ذلك لمناطق الحروب التي تجد فيه طفلاً بسهولة، وفقاً لمبدأ العرض والطلب.

وأضافت أن جميع حالات التبني هذه تتم عبر دفع مبالغ مالية وبطرق غير قانونية، الأمر الذي يخول الطفل مستقبلاً مقاضاة العائلة التي تبنته حتى، وفقاً للوثائق المزيفة.

لا يوجد قانون يجبرهم على إخبار الأطفال بالحقيقة!

وعلى عكس السيناريوهات المفترضة عن إخفاء الآباء قصة التبني عن أطفالهم، تقول نينكي إن والديها المتبنين كانا منفتحين حيال هذا الأمر.

أخبراها طوال الوقت بذلك، وبأن والدتها البيولوجية لم تستطع الاعتناء بها، وأنها من لبنان.

لم يخفيا عليها الأمر البتة، سيما أن لون بشرتها ومظهرها مختلف تماماً عن والديها.

وذكرت الشابة التي تحمل درجة الماجستير في القانون الجنائي، «أنه لا توجد قوانين تفرض على الأهل إخبار طفلهم المتبنى بحقيقة الأمر في هولندا».

وكشأن والدي نينكي، تؤكد شاوتن أن والديها بالتبني، أخبراها بالأمر، وكانت تعلم دائماً أنها متبناة، كشأن أخيها بالتبني.

وأشارت إلى أنها ذهبت معهما إلى لبنان عندما جلبا أخاها المتبنى إلى هولندا، لذا كانت تعلم بالأمر طوال الوقت.

وفي ألمانيا، ووفقاً لقرار أصدرته المحكمة الدستورية الاتحادية في العام 1989، يحق للطفل المُتبنى الاطلاع على الوثائق الخاصة بتبنيه ومعرفة موطنه الأصلي وقصة حياته لدى السلطات عند إتمامه الـ 16 عاماً دون الحاجة لأخذ موافقة والديه بالتبني.

وأوضحت السيدة علوش اختلاف ذلك وفقاً للدولة التي يتواجد فيها الطفل المتبنى.

واستشهدت بقانون صدر مؤخراً في كندا مثلاً يمنع إخفاء ذلك عن الطفل والتأكيد على حقه في الوصول لمعلومات عن عائلته البيولوجية والتواصل معها.

العودة ورحلة البحث عن الماضي المجهول عملية شاقة

تقول نينكي إن الفضول لمعرفة أهلها دفعها للبحث عنهم، كذلك ألا تبقى شخصاً دون جذور لا تعرف لأية عائلة تنتمي.

لم يكن الأمر مرتبطاً بالشوق، مؤكدة تعرضها لنفس السؤال دائماً ممن حولها حول جنسيتها، لكونها لا تشبه الهولنديين في سحنتهم.

انتقلت نينكي إلى لبنان في العام 2010 لتقضي فترة تدريب في سفارة هولندا ببيروت لـ 4 أعوام، إلا أنها لا تتحدث اللغة العربية بعد.

تؤكد أن والدها بالتبني، لطالما كان داعماً لها، وكان يحاول مساعدتها للعثور على أهلها في لبنان، وأن علاقتها جيدة جداً مع عائلتها بالتبني.

وعن عدم تمكنها من العثور على أية معلومات حولها والديها، فتعتبر أن السبب هو كون قضية التبني من “التابوهات” في لبنان.

وترجح عدة أسباب، منها مثلاً أن تكون والدتها مسيحية مثلاً ووالدها مسلماً، أو أن يكون قد تم أخذها من آخرين وليس والديها.

https://www.youtube.com/watch?v=LIalwo9Xp3o

لم تعد هولندا بلدهم الأصلي.. ولا حتى لبنان

وكذلك تحدثت شاوتن عن مساعدة والديها بالتبني لها وهي مراهقة في البحث عن أبويهما البيولوجيين في لبنان.

لم يكونا سعيدين كثيراً وهما يريانها حزينة وتريد مواصلة البحث، رغم عدم تمكنهم من إيجاد معلومات جديدة عنهما خلال البحث هناك.

كان اسمها المسجل لدى مختار الحي هناك هو نفس اسمها الهولندي.

وقالت إنها زارت لبنان مرتين، أولاهما في العام 1996، مع والديها وشقيقها بالتبني، لترى البلاد للمرة الأولى.

لم يفهمها السكان، لأنهما لا يتحدثان اللغة رغم أن سحنتهما تشبه أهل البلد، ولم يعرفوا ما هو التبني.

وأوضحت شاوتن أنه لم يبد لها لبنان حينها كوطنها وكذلك هولندا، لذا تعزز شعور اللا انتماء لديها بعد زيارتها الأولى للبنان.

لكنها عادت في 2014 مع مجموعة من المتبنين المتواجدين معها في مجموعة على موقع فيسبوك تضم قرابة 300 من المتبنين من لبنان في هولندا.

وتبدي حالياً رغبتها في زيارة لبنان مع عائلتها العام القادم كي تعرف أطفالها بجذور والدتهم.

رحلتهم كفاح يمتد طوال العمر.. وقد لا يعثرون على أهلهم إطلاقاً

وقالت شاوتن إنها بذلت ما بوسعها حينها كي تعرف عائلتها وسمعت هناك المزيد من القصص عن عائلة “الشـ…”، وباتت تريد معرفة المزيد عن عائلتها، لذا قامت باختبار الحمض النووي.

وتؤكد أن من حقها أن تعرف جذورها واصفة بحثها عنها بأنه “كفاح يمتد طوال العمر”، وأن المرء يقول لنفسه أحياناً “حسناً لا بأس بذلك”، ثم تعاوده الأسئلة حول عائلته.

وأشارت إلى تواصلها مع جمعية «بدائل» عند زيارتها لبنان قبل 4 أعوام، وتحدُّثها من خلالها مع متبنِّين آخرين، لوسائل إعلام لبنانية، عن قصتها؛ أملاً في أن يساعد ذلك في البحث، لكن لم تنجح هذه الجهود في الوصول لنتيجة.

ولفتت إلى أنها لا تعرف أحداً ممن تم تبنّيهم وجلبهم إلى هولندا، نجحوا في إيجاد والديهم ولقائهم، لكن شاوتن أشارت إلى سيدة متبنّاة – تُدعى ديدا – كانت قد التقتها.

وسائل إعلام نشرت قصة ديدا ولقائها أمها البيولوجية في سويسرا، والتي كانت تعيش هي نفسها فيها.

ديدا كانت تعرف كنيتها الحقيقية، وهذا هو الفرق المفصلي في حالتها.

ونُشرت قصة سيدة فرنسية أخرى أيضاً تُدعى أيمانويل أليغرا، كان قد تم تبينّها من لبنان.

تمكنت من معرفة والدتها ولقائها بعد إجراء فحص الحمض النووي وبحثٍ دامَ 7 سنوات تقريباً.

جمعية تساعد في لمّ شملهم بعوائلهم.. وأعدادهم تتخطى الآلاف

ولا تكون مهمة العثور على العائلة في بلد لا يتقن غالباً الأشخاص المتبنُّون لغتها، سهلة ألبتة.

لذا، تقوم جمعية لبنانية غير ربحية تُسمى «بدائل»، تم تأسيسها في العام 2014، بعرض التواصل معهم، ومحاولة مساعدتهم على إيجاد أهلهم.

ويضم فريق عمل الجمعية أحد الأشخاص المتبنِّين أيضاً، سبق أن خاض تجربة البحث عن الأهل بنفسه.

اسمه دانييل درينان، تم تبنِّيه وعمره شهران إلى الولايات المتحدة، ثم عاد في العام 2004، ليعيش بلبنان، إلى جانب المنتِجة التلفزيونية صوفي ديك، التي انضمت إلى الجمعية بعد عملها على فيلم وثائقي عن هذه القضية.

وكانت الجمعية قدَّرت سابقاً أن عدد الأطفال الذين تم تبنيهم خلال فترة الحرب الأهلية في لبنان، يصل إلى 10 آلاف.

المصير نفسه يواجهه أطفال اللاجئين السوريين في لبنان

لكنها اكتشفت رويداً رويداً، أن هذا الرقم أقل بكثير من الرقم الحقيقي، لاكتشافهم وجود بلدان جرى تبنّي الأطفال إليها، لم تكن موجودة ضمن إحصائياتهم.

وتضمنت قاعدة بيانات «بدائل» 2700 اسماً لأطفال متبنّين من لبنان، وهو الرقم الذي اعتبرته علوش ضئيلاً مقارنةً بالأعداد الحقيقية.

لذا، ما زالوا يوجهون نداءات إلى الأطفال المتبنين، للتواصل معهم، بهدف توسعة قاعدة البيانات هذه.

وقدّرت علوش في لقائها مع «عربي بوست» أن عدد حالات التبني العابرة للبلاد ازدادت كثيراً في ظل «أزمة اللجوء السوري».

لكنها بيَّنت أن توثيقها صعب للغاية، لكونها تتم عبر التهريب، أو على الأقل لغربة العوائل الغربية وغياب وثائق رسمية تثبت عملية التبني في البلد الأصلي للطفل، ما يضمن عدم تواصل الأطفال مع أهلهم البيولوجيين.

تحليل الحمض النووي (DNA) حسّن فرصهم في لقاء أقاربهم

وتدين الشابة نينكي بالفضل لاختبار الحمض النووي (DNA)، في التعرف على جزءٍ من عائلتها، ممن يعيشون حالياً بكل من السعودية والأردن، وهم من أعمامها أو أبناء أعمامها، بعد أن حصلت على قائمة بالذين هي على صلة قرابة بهم.

وتقول في حديثها مع «عربي بوست»، إنها على تواصل مع ابن أحدهم، لكنه لم يكن مهتماً بالأمر.

وكشأن نينكي، أجرت شاوتن الفحص نفسه لدى شركة 23andMe الأميركية.

كانت النتيجة العثور على أشخاص على قرابة بعيدة بها، وإظهار أن لديها جذوراً لبنانية، لكن أيضاً من شمال إفريقيا.

إلا أنها لم تتواصل مع أحد منهم حتى الآن.

لكن العثور على الأم قد يؤذيها أحياناً

وأكدت علوش لـ «عربي بوست»، أن عملية إيجاد الأم الوالدة شاقة، وأن فحص DNA يهدد الوالدة،  سيما أنه ليس من المعلوم الظروف التي دفعت الوالدة إلى عرض طفلها/طفلتها للتبني.

هل هي متزوجة؟ أو هل لديها عائلة؟ هل تمر بظروف خاصة؟، ما يجعل من الواجب الحذر عند عقد لقاء بين الطفل الذي تم تبنّيه سابقاً مع الأم الوالدة؟

وقالت علوش إن اللقاء يجب أن يتم في أفضل ظروف ممكنة، لضمان سلامتها وخصوصيتها.

وأوضحت أن الأمر لا يتعلق هنا بتقبُّل العائلة أو الأم ابنها/تها، بل بالظروف التي تعيش فيها بعد مرور عقود من «إجبارها» على عرضه/ا للتبني.

وأكدت أنه ما من أُم تعرَّض طفلها للتبني من تلقاء نفسها، لولا تعرضها لضغوط اجتماعية، وظروف قاهرة.

وأشارت علوش إلى أن بعض المتبنين يحاولون استعادة حقهم في الحصول على جنسية البلد الذي وُلدوا فيه، الأمر الذي يعد صعباً للغاية، لكون وثائقهم تحتوي على معلومات مغلوطة.

وعما إذا حاول بعضهم استعادة اسمه الحقيقي أيضاً، بيَّنت أنه من الصعب للغاية حصول ذلك، لأنه يتطلب اعترافاً من الرجل بأبوة الطفل، وهو ما لا يحدث عادة.

فالوصول للأب أشد صعوبة من الوصول للأم.

خبراء: «ليكن ملاذاً أخيراً».. فنتائجه سيئة حتى لو كانت أهدافه إنسانية

وتعبّر السيدة علوش عن معارضتها للتبني العابر للبلاد، وتتمنى عدم حصوله لنتائجه السيئة على الأطفال، حتى وإن بدا كأنه في مصلحتهم في البداية.

وقالت لا بد أن يكون ملاذاً أخيراً بعد استنفاذ جميع السبل الكفيلة بإبقاء الطفل مع عائلته، الأمر الذي لا يحصل عادة ويتم الاعتماد عليه كخيار أول عوض الاهتمام بعوائل هؤلاء الأطفال.

ونوهت إلى أن المبلغ الباهظ الذي يصرف على تبني طفل واحد يكفي لرعاية الكثير من الأطفال في موطنهم.

وأشارت إلى إمكانية توفير الرعاية البديلة داخل البلاد عبر «معايير نوعية»، واردة في وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة في العام 2006.

ولفتت إلى أنه يتم إضفاء الطابع الإنساني على التبني العابر للبلدان، والتظاهر بإنقاذ الطفل أو الطفلة، محذرةً أن الأطفال السوريين حالياً «عرضة» لذلك أيضاً.

لا خيار للأطفال في هذا الشأن!

وهو الأمر الذي تتفق معه السيدة المتبنّاة شاوتن، مؤكدةً أنها ليست محظوظة بالتبني، وأن التبني ليس بشيء ينبغي أن يكون المرء ممتناً لحدوثه.

وقالت إن «الأبوين المتبنّين يريدان أن يكون لديهما طفل، لذا فهذه أمنيتهما وهذه أنانيتهما».

لكنها تكره قول البعض في هولندا لها، إنه ينبغي أن تكون ممتنة لذلك، لأن بلادها كانت تشهد حرباً حينها.

وأكدت أنها تحب والديها بالتبني، وأنهما ربّياها جيداً، وأنها على علاقة جيدة بهما حتى الآن، لكنها ليست ممتنة لتبنّيها، سيما أن ذلك لم يكن خيارها.

وعما إذا كانت ترى نفسها ضحية للتبني، تنفي نينكي بدورها ذلك، مشيرة من جانبها إلى أنها كانت محظوظة لعيشها طفولتها في أوروبا، وسعيدة بطريقة عيشتهم في هولندا الآن.

وأوضحت أنها شاهدت أطفالاً فلسطينيين عندما عادت في العام 2010 إلى لبنان، ونظمت مع أصدقاء لها جولة في مخيم لتوزيع هدايا عيد الميلاد، وشعرت حينها عند مشاهدتها فتيات صغيرات، كم كانت محظوظة لأنها لم تعش حياة كهذه.

الطريق طويل لسنّ قوانين تحمي الأطفال من التبني المعادل للاتجار

وعما إذا كان الطريق ما زال طويلاً في الدول العربية لوضع قوانين تحمي الأطفال من التبني المعادل للاتجار غير الشرعي بالبشر، قالت علوش إنه ينبغي التصديق على اتفاقية لاهاي التي تمنع تبني الأطفال العابرَ للبلاد في الدول العربية، كما فعلت الدول الغربية مسبقاً.

لكنها وصفت احتمال حدوث ذلك بـ «الحلم»، الذي يتمنون أن يتحقق، لا سيما في ظل غياب قوانين مدنية ترعى عملية فصل الطفل عن العائلة، واقتصار ذلك حتى الآن على قوانين شرعية وروحية.

وهو الأمر الذي سيترك الأطفال حتى ذلك الحين عرضة لممارسات غير قانونية.

وعدم اتزان الهوية قد يؤدي إلى الإدمان والضياع

أما عن الصورة التي ترسمها العوائل المتبنية عن العرب والمسلمين لدى الأطفال خلال تربيتهم، فأشارت علوش إلى وجود حالات لعوائل متصالحة مع الوضع، تحاول تقريب الأطفال من ثقافتهم الأصلية.

كما توجد عائلات أخرى لعوائل لديها مسبقاً موقف عنصري أو رافض للمنطقة التي تبنوا الطفل منها، ما يؤثر على اتزان الهوية لدى الأطفال.

وقالت إنه في أفضل الأحوال، يحتاج هؤلاء الأشخاص لمعرفة القصة الحقيقية لحالتهم، ولماذا حصل معهم ذلك.

وتحدثت عن معاناة من يعيشون في بيئة أخرى لا يتشاركون مع الناس فيها اللهجة ولون البشرة «عنصرية مبطنة»، عبر سؤالهم عن موطنهم الأصلي ولغتهم الأصلية باستمرار.

وتشير إلى إحصائية تفيد بأن 60% من حالات التبني العابرة للحدود تفشل عند عمر المراهقة.

يعاني الأطفال مشاكل نفسية وإدمان المخدرات وأزمة هوية، وسهولة تخلي العائلة المتبنية نسبياً عنهم حين مقارنتها بالأسرة الوالدة.

ورداً على سؤال لـ «عربي بوست»، أكدت علوش حدوث إشكالات من حيث تغيير دين الطفل المُتبنى، وصنَّفته ضمن ضياع الهوية الدينية والعرقية لديهم وتاريخ المكان الذي وُلدوا فيه، وحتى اللغة.

لم تصادف نينكي مشاكل من هذا النحو، حيث تحدثت عن تنشئتها باعتبارها مسيحية، وكيف أنها باتت الآن غير متدينة أو مؤمنة.

وقالت شاوتن، التي لا تتقن العربية أيضاً، أنها تربَّت كمسيحية، أما انطباع والديها بالتبني عن المنطقة العربية، فكان إيجابياً جداً، لذلك عادت لتبحث عن جذورها.

عربي بوست، سليمان عبدالله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى